للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَقَدْ أَوْرَدَ سُؤَالًا عَلَى مَا تَتَعَلَّقُ بِهِ لِيَجْعَلَ، قَالَ: أَوْ لَا يَكُونُوا بِمَعْنَى: لَا يَكُونُوا مِثْلَهُمْ فِي النُّطْقِ بِذَلِكَ الْقَوْلِ وَاعْتِقَادِهِ، لِيَجْعَلَهُ اللَّهُ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ خَاصَّةً، وَيَصُونَ مِنْهَا قُلُوبَكُمْ انتهى كلمه. وَهُوَ كَلَامُ شَيْخٍ لَا تَحْقِيقَ فِيهِ، لِأَنَّ جَعْلَ الْحَسْرَةِ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِلنَّهْيِ كَمَا قُلْنَا، إِنَّمَا يَكُونُ سَبَبًا لِحُصُولِ امْتِثَالِ النَّهْيِ وَهُوَ: انْتِفَاءُ الْمُمَاثَلَةِ، فَحُصُولُ ذَلِكَ الِانْتِفَاءُ وَالْمُخَالَفَةِ فِيمَا يَقُولُونَ وَيَعْتَقِدُونَ يَحْصُلُ عَنْهُ مَا يَغِيظُهُمْ وَيَغُمُّهُمْ، إِذْ لَمْ يُوَافِقُوهُمْ فِيمَا قَالُوهُ وَاعْتَقَدُوهُ. فَلَا تَضْرِبُوا فِي الْأَرْضِ وَلَا تَغْزُوا، فَالْتَبَسَ عَلَى الزَّمَخْشَرِيِّ اسْتِدْعَاءُ انْتِفَاءِ الْمُمَاثَلَةِ لِحُصُولِ الِانْتِفَاءِ، وَفَهْمُ هَذَا فِيهِ خَفَاءٌ وَدِقَّةٌ. وَقَالَ ابْنُ عِيسَى وَغَيْرُهُ: اللَّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْكَوْنِ، أَيْ: لَا تَكُونُوا كَهَؤُلَاءِ لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ دُونَكُمْ انْتَهَى. وَمِنْهُ أَخَذَ الزَّمَخْشَرِيُّ قَوْلَهُ: لَكِنَّ ابْنَ عِيسَى نَصَّ عَلَى مَا تَتَعَلَّقُ بِهِ اللَّامُ، وَذَاكَ لَمْ يُنَصَّ. وَقَدْ بَيَّنَّا فَسَادَ هَذَا الْقَوْلِ.

وَإِذَا كَانَتْ لَامُ الصَّيْرُورَةِ وَالْعَاقِبَةِ تَعَلَّقَتْ بِقَالُوا، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا لِجَعْلِ الْحَسْرَةِ، إِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ لِعِلَّةٍ، فَصَارَ مَآلُ ذَلِكَ إِلَى الْحَسْرَةِ وَالنَّدَامَةِ، وَنَظَّرُوهُ بِقَوْلِهِ فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا، وَلَمْ يَلْتَقِطُوهُ لِذَلِكَ، إِنَّمَا آلَ أَمْرُهُ إِلَى ذَلِكَ. وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا لَا يُثْبِتُونَ لِلَّامِ هَذَا الْمَعْنَى- أَعْنِي أَنْ تَكُونَ اللَّامُ لِلْعَاقِبَةِ وَالْمَآلِ- وَيَنْسُبُونَ هَذَا الْمَذْهَبَ لِلْأَخْفَشِ. وَأَمَّا الْإِشَارَةُ بِذَلِكَ فَقَالَ الزَّجَّاجُ: هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى الظَّنِّ، وَهُوَ أَنَّهُمْ إِذَا ظَنُّوا أَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَحْضُرُوا لَمْ يُقْتَلُوا، كَانَ حَسْرَتُهُمْ عَلَى مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ أَشَدَّ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مَا مَعْنَاهُ الْإِشَارَةُ إِلَى النُّطْقِ وَالِاعْتِقَادِ بِالْقَوْلِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الْإِشَارَةُ بِذَلِكَ إِلَى هَذَا الْمُعْتَقَدِ الَّذِي لَهُمْ، جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً، لِأَنَّ الَّذِي يَتَيَقَّنُ أَنَّ كُلَّ مَوْتٍ وَقَتْلٍ بِأَجَلٍ سَابِقٍ يَجِدُ بَرْدَ الْيَأْسِ وَالتَّسْلِيمِ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى قَلْبِهِ، وَالَّذِي يَعْتَقِدُ أَنَّ حَمِيمَهُ لَوْ قَعَدَ فِي بَيْتِهِ لَمْ يَمُتْ يَتَحَسَّرُ وَيَتَلَهَّفُ انْتَهَى. وَهَذِهِ أَقْوَالٌ مُتَوَافِقَةٌ فِيمَا أُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَيْهِ. وَقِيلَ: الْإِشَارَةُ بِذَلِكَ إِلَى نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ الْكَوْنِ مِثْلَ الْكَافِرِينَ فِي هَذَا الْمُعْتَقَدِ، لِأَنَّهُمْ إِذَا رَأَوْا أَنَّ اللَّهَ قَدْ وَسَمَهُمْ بِمُعْتَقَدٍ وَأَمَرَ بِخِلَافِهِمْ كَانَ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ تَكُونَ الْإِشَارَةُ إِلَى النَّهْيِ وَالِانْتِهَاءِ مَعًا، فَتَأَمَّلْهُ انْتَهَى.

وَهَذِهِ كُلُّهَا أَقْوَالٌ تُخَالِفُ الظَّاهِرَ. وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّ الْإِشَارَةَ إِلَى الْمَصْدَرِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَالُوا، وَأَنَّ اللَّامَ لِلصَّيْرُورَةِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ قَالُوا هَذِهِ الْمَقَالَةَ قَاصِدِينَ التَّثْبِيطَ عَنِ الْجِهَادِ وَالْإِبْعَادِ فِي الْأَرْضِ، سَوَاءٌ كَانُوا مُعْتَقِدِينَ صِحَّتَهَا أَوْ لَمْ يَكُونُوا مُعْتَقِدِيهَا، إِذْ كَثِيرٌ مِنَ الْكُفَّارِ قَائِلٌ بِأَجَلٍ وَاحِدٍ، فَخَابَ هَذَا الْقَصْدُ، وَجَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ الْقَوْلَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>