للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُتَّصِلًا مَعْمُولًا لِفِعْلٍ تَامٍّ مُتَعَيَّنًا لِلرَّبْطِ، أَوْ أَنَّ إملائنا خَيْرٌ. وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُسْنَدَ الْفِعْلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَكُونُ فَاعِلُ الْغَيْبِ كَفَاعِلِ الْخِطَابِ، فَتَكُونُ الْقِرَاءَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ.

وَقَرَأَ يَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ: وَلَا يَحْسَبَنَّ بِالْيَاءِ، وإنما نُمْلِي بِالْكَسْرِ. فَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ مُسْنَدًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَكُونُ الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ الَّذِينَ كَفَرُوا، وَيَكُونُ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي. وَإِنْ كَانَ مُسْنَدًا لِلَّذِينِ كَفَرُوا فَيَحْتَاجُ يَحْسَبَنَّ إِلَى مَفْعُولَيْنِ. فَلَوْ كَانَتْ أَنَّمَا مَفْتُوحَةً سَدَّتْ مَسَدَّ الْمَفْعُولَيْنِ، وَلَكِنَّ يَحْيَى قَرَأَ بِالْكَسْرِ، فَخُرِّجَ عَلَى ذَلِكَ التَّعْلِيقُ فَكُسِرَتْ إِنَّ، وَإِنْ لَمْ تَكُنِ اللَّامُ فِي حَيِّزِهَا. وَالْجُمْلَةُ الْمُعَلَّقُ عَنْهَا الْفِعْلُ فِي مَوْضِعِ مَفْعُولَيْ يَحْسَبَنَّ، وَهُوَ بَعِيدٌ: لِحَذْفِ اللَّامِ نَظِيرَ تَعْلِيقِ الْفِعْلِ عَنِ الْعَمَلِ، مَعَ حَذْفِ اللَّامِ مِنَ الْمُبْتَدَأِ كَقَوْلِهِ:

إِنِّي وَجَدْتُ مَلَاكَ الشِّيمَةِ الْأَدَبُ أَيْ لَمِلَاكُ الشِّيمَةِ الْأَدَبُ، وَلَوْلَا اعْتِقَادُ حَذْفِ اللَّامِ لَنُصِبَ. وَحَكَى الزَّمَخْشَرِيُّ أَنْ يَحْيَى بْنَ وَثَّابٍ قَرَأَ بِكَسْرِ إِنَّمَا الْأُولَى، وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى: وَلَا تحسبن الذين كفروا إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا كَمَا يَفْعَلُونَ، وَإِنَّمَا هُوَ لِيَتُوبُوا وَيَدْخُلُوا فِي الْإِيمَانِ. وَالْجُمْلَةُ مِنْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ اعْتِرَاضٌ بَيْنَ الْفِعْلِ وَمَعْمُولِهِ، وَمَعْنَاهُ:

أَنَّ إِمْلَاءَنَا خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنْ عَمِلُوا فِيهِ وَعَرَفُوا إِنْعَامَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِتَفْسِيحِ الْمُدَّةِ، وَتَرْكِ الْمُعَاجَلَةِ بِالْعُقُوبَةِ. وَظَاهِرُ الَّذِينَ كَفَرُوا الْعُمُومُ.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمُنَافِقِينَ. وَقَالَ عَطَاءٌ: فِي قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: فِي مُشْرِكِي مَكَّةَ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: هَؤُلَاءِ قَوْمٌ أَعْلَمَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ أَبَدًا، وَلَيْسَتْ فِي كُلِّ كَافِرٍ، إِذْ قَدْ يَكُونُ الْإِمْلَاءُ مِمَّا يُدْخِلُهُ فِي الْإِيمَانِ، فَيَكُونُ أَحْسَنَ لَهُ. وَقَالَ مَكِّيٌّ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنَ الْمَعَانِي. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ الرَّدُّ عَلَى الْكُفَّارِ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّ كَوْنَنَا ظَاهِرِينَ مُمَوَّلِينَ أَصِحَّةً دَلِيلٌ عَلَى رِضَا اللَّهِ بِحَالِنَا وَاسْتِقَامَةِ طَرِيقَتِنَا عِنْدَهُ. وَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ ذَلِكَ التَّأْخِيرَ وَالْإِهْمَالَ إِنَّمَا هُوَ إِمْلَاءٌ وَاسْتِدْرَاجٌ لِتَكْثِيرِ الْآثَامِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: مَا مِنْ نَفْسٍ بَرَّةٍ وَلَا فَاجِرَةٍ إِلَّا وَالْمَوْتُ خَيْرٌ لَهَا أَمَّا الْبَرَّةُ فَلْتُسْرِعْ إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ. وَقَرَأَ: وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ «١» وَأَمَّا الْفَاجِرَةُ فَلِئَلَّا تَزْدَادَ إِثْمًا، وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ انْتَهَى.


(١) سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ: ٣/ ١٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>