للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلَّهِ. وَالْقُرْبَانُ: مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ مِنْ شَاةٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ سُمِّيَ الْمَفْعُولُ بِهِ كَالرَّهْنِ، وَكَانَ حُكْمُهُ قَدِيمًا فِي الْأَنْبِيَاءِ. أَلَا تَرَى إِلَى قِصَّةِ ابْنَيْ آدَمَ، وَكَانَ أَكْلُ النَّارِ ذَلِكَ الْقُرْبَانِ دَلِيلًا عَلَى قَبُولِ الْعَمَلِ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ عَمَلٍ، أَوْ صِدْقِ مَقَالَةٍ. وَإِذَا لَمْ تَنْزِلِ النَّارُ فَلَيْسَ بِمَقْبُولٍ، وَكَانَتِ النَّارُ أَيْضًا تَنْزِلُ لِلْغَنَائِمِ فَتَحْرِقُهَا. وَإِسْنَادُ الْأَكْلِ إِلَى النَّارِ مَجَازٌ وَاسْتِعَارَةٌ عَنْ إِذْهَابِ الشَّيْءِ وَإِفْنَائِهِ، إِذْ حَقِيقَةُ الْأَكْلِ إِنَّمَا تُوجَدُ فِي الْحَيَوَانِ الْمُتَغَذِّي، وَالْقُرْبَانُ وَأَكْلُ النَّارِ مُعْجِزٌ لِلنَّبِيِّ يُوجِبُ الْإِيمَانَ بِهِ، فَهُوَ وَسَائِرُ الْمُعْجِزَاتِ سَوَاءٌ. وَلِلَّهِ أَنْ يُعَيِّنَ مِنَ الْآيَاتِ مَا شَاءَ لِأَنْبِيَائِهِ، وَهَذَا نَظِيرُ مَا يَقْتَرِحُونَهُ مِنَ الْآيَاتِ عَلَى سَبِيلِ التَّبْكِيتِ وَالتَّعْجِيزِ. وَقَدْ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ لَوْ نَزَلَ مَا اقْتَرَحُوهُ لَمَا آمَنُوا.

وَالَّذِينَ قَالُوا صِفَةٌ لِلَّذِينِ قَالُوا. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الَّذِينَ صِفَةٌ لِلْعَبِيدِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا مُفْسِدٌ لِلْمَعْنَى وَالْوَصْفِ انْتَهَى. وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَجَوَّزُوا قَطْعَهُ لِلرَّفْعِ، وَالنَّصْبِ، وَإِتْبَاعَهُ بَدَلًا. وَفِي أَنْ لَا نُؤْمِنَ تَقْدِيرُ حَرْفِ جَرٍّ، فَحُذِفَ وَبَقِيَ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ: أَهْوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ أَوْ جَرٍّ؟ وَأَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا بِهِ عَلَى تَضْمِينِ عَهِدَ مَعْنَى الْزَمْ، فَكَأَنَّهُ أَلْزَمَنَا أَنْ لَا نُؤْمِنَ.

وَقَرَأَ عِيسَى بْنُ عُمَرَ بِقُرُبَانٍ بِضَمِّ الرَّاءِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: إِتْبَاعًا لِضَمَّةِ الْقَافِ، وَلَيْسَ بِلُغَةٍ.

لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ فُعُلَانِ بِضَمِّ الْفَاءِ وَالْعَيْنِ. وَحَكَى سِيبَوَيْهِ السُّلُطَانُ بِضَمِّ اللَّامِ، وَقَالَ:

إِنَّ ذَلِكَ عَلَى الْإِتْبَاعِ انْتَهَى. وَلَمْ يَقُلْ سِيبَوَيْهِ: إِنَّ ذَلِكَ عَلَى الْإِتْبَاعِ، بَلْ قَالَ: وَلَا نَعْلَمُ فِي الْكَلَامِ فُعْلَانِ وَلَا فُعُلَانِ، وَلَا شَيْئًا مِنْ هَذَا النَّحْوِ لَمْ يَذْكُرْهُ. وَلَكِنَّهُ جَاءَ فُعُلَانِ وَهُوَ قَلِيلٌ، قَالُوا: السُّلْطَانُ وَهُوَ اسْمٌ انْتَهَى. وَقَالَ الشارح: صاحب في اللُّغَةِ لَا يُسَكَّنُ وَلَا يُتْبَعُ، وَكَذَا ذَكَرَ التَّصْرِيفِيُّونَ أَنَّهُ بِنَاءُ مُسْتَقْبَلٍ. قَالُوا فِيمَا لَحِقَهُ زِيَادَتَانِ بَعْدَ اللَّامِ وَعَلَى فُعْلَانِ وَلَمْ يجيء إِلَّا اسْمًا: وَهُوَ قَلِيلٌ نَحْوَ سُلْطَانٍ.

قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ رَدَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ وَأَكْذَبَهُمْ فِي اقْتِرَاحِهِمْ، وَأَلْزَمَهُمْ أَنَّهُمْ قَدْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ بِالَّذِي قَالُوهُ مِنَ الْإِتْيَانِ بِالْقُرْبَانِ الَّذِي تَأْكُلُهُ النَّارُ وَبِالْآيَاتِ غَيْرِهِ، فَلَمْ يُؤْمِنُوا بِهِمْ، بَلْ قَتَلُوهُمْ. وَلَمْ يَكْتَفُوا بِتَكْذِيبِهِمْ حَتَّى أَوْقَعُوا بِهِمْ شَرَّ فِعْلٍ، وَهُوَ إِتْلَافُ النَّفْسِ بِالْقَتْلِ.

فَالْمَعْنَى أَنَّ هَذَا مِنْكُمْ مَعْشَرَ الْيَهُودِ تَعَلُّلٌ وَتَعَنُّتٌ، وَلَوْ جَاءَهُمْ بِالْقُرْبَانِ لَتَعَلَّلُوا بِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَرِحُونَهُ. وَالِاقْتِرَاحُ لَا غَايَةَ لَهُ، وَلَا يُجَابُ طَالِبُهُ إِلَّا إِذَا أَرَادَ اللَّهُ هَلَاكَهُ، كَقِصَّةِ قَوْمِ صَالِحٍ وَغَيْرِهِ. وَكَذَلِكَ

قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اقْتِرَاحِ قُرَيْشٍ فَأَبَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَالَ: بَلْ أَدْعُوهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>