للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكِتَابِ مُفْرَدًا وَإِنْ كَانَ مَجْمُوعًا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لِتَنَاسُبِ الْفَوَاصِلِ، وَلَمْ يُلْحَظْ فِيهِ أَنْ يُجْمَعَ كَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِمَا لِذَلِكَ.

كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ وَمَا بَعْدَهَا الْوَعْظَ وَالتَّسْلِيَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم عن الدُّنْيَا وَأَهْلِهَا، وَالْوَعْدَ بِالنَّجَاةِ فِي الْآخِرَةِ بِذَكَرِ الْمَوْتِ، وَالْفِكْرَةِ فِيهِ تُهَوِّنُ مَا يَصْدُرُ مِنَ الْكُفَّارِ مِنْ تَكْذِيبٍ وَغَيْرِهِ. وَلَمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْمُكَذِّبِينَ الْكَاذِبِينَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْيَهُودِ وَالْمُنَافِقِينَ وَذِكْرُهُمُ الْمُؤْمِنِينَ، نُبِّهُوا كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ مَيِّتُونَ وَمَآلُهُمْ إِلَى الْآخِرَةِ، فَفِيهَا يَظْهَرُ النَّاجِي وَالْهَالِكُ، وَأَنَّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ مَالٍ وَأَهْلٍ وَعَشِيرَةٍ إِنَّمَا هُوَ عَلَى سَبِيلِ التَّمَتُّعِ الْمَغْرُورِ بِهِ، كُلُّهَا تَضْمَحِلُّ وَتَزُولُ وَلَا يَبْقَى إِلَّا مَا عَمِلَهُ الْإِنْسَانُ، وَهُوَ يُوَفَّاهُ فِي الْآخِرَةِ، يُوَفَّى عَلَى طَاعَتِهِ وَمَعْصِيَتِهِ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الرَّازِيُّ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ النَّفْسَ لَا تَمُوتُ بِمَوْتِ الْبَدَنِ، وَعَلَى أَنَّ النَّفْسَ غَيْرُ الْبَدَنِ انْتَهَى. وَهَذِهِ مُكَابَرَةٌ فِي الدَّلَالَةِ، فَإِنَّ ظَاهِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النفس تموت. وقال أَيْضًا: لَفْظُ النَّفْسِ مُخْتَصٌّ بِالْأَجْسَامِ انْتَهَى. وَقَرَأَ الْيَزِيدِيُّ:

ذَائِقَةٌ بِالتَّنْوِينِ، الْمَوْتَ بِالنَّصْبِ، وَذَلِكَ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. وَنَقَلَهَا ابْنُ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي حَيْوَةَ، وَنَقَلَهَا غَيْرُهُمَا عَنِ الْأَعْمَشِ، وَيَحْيَى، وَابْنِ أَبِي إِسْحَاقَ. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ فِيمَا نَقَلَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ ذَائِقَةُ بِغَيْرِ تَنْوِينِ الْمَوْتَ بِالنَّصْبِ وَمِثْلُهُ:

فَأَلْفَيْتُهُ غَيْرَ مُسْتَعْتِبٍ ... وَلَا ذَاكِرَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلَا

حَذْفِ التَّنْوِينِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، كَقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. اللَّهُ الصَّمَدُ «١» بِحَذْفِ التَّنْوِينِ مِنْ أَحَدٍ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ لَفْظُ التَّوْفِيَةِ يَدُلُّ عَلَى التَّكْمِيلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَمَا قَبْلَهُ مِنْ كَوْنِ الْقَبْرِ رَوْضَةً مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، أَوْ حُفْرَةً مِنْ حُفَرِ النَّارِ، هُوَ بَعْضُ الْأُجُورِ وَمَا لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ أَوِ النَّارَ فَهُوَ غَيْرُ مُوَفًّى. وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ أَنَّ الْأُجُورَ هِيَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ، وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ فِي الِاسْتِعْمَالِ أَنَّ الْأَجْرَ هُوَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى عَمَلِ الطَّاعَةِ. وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَخَصَّ تَعَالَى ذِكْرَ الْأُجُورِ لِشَرَفِهَا، وَإِشَارَةٍ إِلَى مَغْفِرَتِهِ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وأمته. وَلَا مَحَالَةَ أَنَّ يَوْمَ القيامة يقع فيه توفية الْأُجُورُ، وَتَوْفِيَةُ الْعُقُوبَاتِ انْتَهَى.

فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ عَلَّقَ الْفَوْزَ وَهُوَ نَيْلُ الحظ من الخير


(١) سورة الإخلاص: ١١٢/ ١- ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>