للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ أَمَرَ تَعَالَى بِالْإِشْهَادِ لِحَسْمِ مَادَّةِ النِّزَاعِ، وَسُوءِ الظَّنِّ بِهِمْ، وَالسَّلَامَةِ مِنَ الضَّمَانِ وَالْغُرْمِ عَلَى تَقْدِيرِ إِنْكَارِ الْيَتِيمِ، وَطَيَّبَ خَاطِرَ الْيَتِيمِ بِفَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ، وَانْتِظَامِهِ فِي سِلْكِ مَنْ يُعَامَلُ وَيُعَامِلُ. وَإِذَا لَمْ يَشْهَدْ فَادَّعَى عَلَيْهِ صُدِّقَ مَعَ يَمِينِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ. وَالشَّافِعِيِّ: لَا يُصَدَّقُ إِلَّا بِالْبَيِّنَةِ. فَكَانَ فِي الْإِشْهَادِ الِاحْتِرَازُ مِنْ تَوَجُّهِ الْحَلِفِ الْمُفْضِي إِلَى التُّهْمَةِ، أَوْ مِنْ وُجُوبِ الضَّمَانِ إِذْ لَمْ يُقِمِ الْبَيِّنَةَ. وَظَاهِرُ الْأَمْرِ أَنَّهُ وَاجِبٌ. وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ نَدْبٌ.

وَظَاهِرُ الْآيَةِ الْأَمْرُ بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِمْ إِذَا دَفَعَ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ، وَهِيَ الْمَأْمُورُ بِدَفْعِهَا فِي قَوْلِهِ: فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ «١» وَقَالَ عَمْرُو بْنُ جُبَيْرٍ: هَذَا الْإِشْهَادُ إِنَّمَا هُوَ عَلَى دَفْعِ الْوَلِيِّ مَا اسْتَقْرَضَهُ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ حَالَةَ فَقْرِهِ إِذَا أَيْسَرَ. وَقِيلَ: فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى مَنْ أَكَلَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ، الْمَعْنَى: أَقْرَضْتُمْ أَوْ أَكَلْتُمْ فَأَشْهِدُوا إِذَا غَرِمْتُمْ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى إِذَا أَنْفَقْتُمْ شَيْئًا عَلَى الْمَوْلَى عَلَيْهِ فَأَشْهِدُوا، حَتَّى لَوْ وَقَعَ خِلَافٌ أَمْكَنَ إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ، فَإِنَّ مَالًا قُبِضَ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ بِإِشْهَادٍ لَا يُبْرَأُ مِنْهُ إِلَّا بِإِشْهَادٍ عَلَى دَفْعِهِ.

وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً أَيْ كَافِيًا فِي الشَّهَادَةِ عَلَيْكُمْ. وَمَعْنَاهُ: مُحْسِبًا مِنْ أَحْسَبَنِي كَذَا، أَيْ كَفَانِي، قَالَهُ: الْأَعْمَشُ وَالطَّبَرِيُّ. فَيَكُونُ فَعِيلًا بِمَعْنَى مُفْعِلٍ، أَوْ مُحَاسِبًا، أَوْ حَاسِبًا لِأَعْمَالِكُمْ يُجَازِيكُمْ بِهَا، فَعَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ. فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ وَعِيدٌ لِجَاحِدِ الْحَقِّ.

وَحَسِيبٌ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفَاعِلٍ، كَجَلِيسٍ وَخَلِيطٍ، أَوْ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، حُوِّلَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْحُسْبَانِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيُّ وَمُقَاتِلٌ: مَعْنَى حَسِيبًا شَهِيدًا.

وَفِي كَفَى خِلَافٌ: أَهِيَ اسْمُ فِعْلٍ، أَمْ فِعْلٌ؟ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا فِعْلٌ، وَفَاعِلُهُ اسْمُ اللَّهِ، وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ. وَقِيلَ: الْفَاعِلُ مُضْمَرٌ وَهُوَ ضَمِيرُ الِاكْتِفَاءِ، أَيْ: كَفَى هُوَ، أَيِ الِاكْتِفَاءُ بِاللَّهِ، وَالْبَاءُ لَيْسَتْ بِزَائِدَةٍ، فَيَكُونُ بِاللَّهِ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، وَيَتَعَلَّقُ إِذْ ذَاكَ بِالْفَاعِلِ. وَهَذَا الْوَجْهُ لَا يُسَوَّغُ إِلَّا عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ، حَيْثُ يُجِيزُونَ إِعْمَالَ ضَمِيرِ الْمَصْدَرِ كَإِعْمَالِ ظَاهِرِهِ. وَإِنْ عَنَى بِالْإِضْمَارِ الْحَذْفَ فَفِيهِ إِعْمَالُ الْمَصْدَرِ وهو موصول، وإبقاء معموله وَهُوَ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ لَا يَجُوزُ، أَعْنِي:

حَذْفَ الْفَاعِلِ وَحَذْفَ الْمَصْدَرِ. وَانْتَصَبَ حَسِيبًا عَلَى التَّمْيِيزِ لِصَلَاحِيَّةِ دُخُولِ من عليه. وقيل:


(١) سورة النساء: ٤/ ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>