للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذِكْرِهِ لِأَنَّ الْبَدَلَ جَاءَ عَلَى سَبِيلِ التَّوْكِيدِ، إِذْ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا تَوْضِيحُ أَنَّهُ أُرِيدَ بِقَوْلِهِ: مِمَّا تَرَكَ الْعُمُومُ فِي الْمَتْرُوكِ. وَهَذَا الْبَدَلُ فِيهِ ذِكْرُ نَوْعَيِ الْمَتْرُوكِ مِنَ الْقِلَّةِ أَوِ الْكَثْرَةِ.

وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: مِمَّا قَلَّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ الْمَحْذُوفِ فِي تَرَكَ، أَيْ:

مِمَّا تَرَكَهُ مُسْتَقِرًّا مِمَّا قَلَّ.

وَمَعْنَى نَصِيبًا مَفْرُوضًا: أَيْ حَظًّا مَقْطُوعًا بِهِ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ أَنْ يَحُوزُوهُ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ وَمَكِّيٌّ: نَصِيبًا مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ، الْمَعْنَى: لِهَؤُلَاءِ أَنْصِبَاءُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا هُنَا فِي حَالِ الْفَرْضِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: نُصِبَ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْمَصْدَرِ، وَلِذَلِكَ وَحَّدَهُ كَقَوْلِكَ لَهُ: عَلَيَّ كَذَا حَقًّا لَازِمًا، وَنَحْوُهُ: فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ «١» وَلَوْ كَانَ اسْمًا صَحِيحًا لَمْ يُنْصَبْ، لَا تَقُولُ:

لَكَ عَلَيَّ حَقٌّ دِرْهَمًا انْتَهَى. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ قَرِيبًا مِنْ هَذَا الْقَوْلِ قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَنْتَصِبَ انْتِصَابَ الْمَصْدَرِ الْمُؤَكِّدِ لِقَوْلِهِ: فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ، كَأَنَّهُ قِسْمَةٌ مَفْرُوضَةٌ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ نَحْوًا مِنْ كَلَامِ الزَّجَّاجِ قَالَ: إِنَّمَا هُوَ اسْمٌ نُصِبَ كَمَا يُنْصَبُ الْمَصْدَرُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ تقدبره:

فَرْضًا. وَلِذَلِكَ جَازَ نَصْبُهُ كَمَا تَقُولُ لَهُ: عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا حَقًّا وَاجِبًا، وَلَوْلَا مَعْنَى الْمَصْدَرِ الَّذِي فِيهِ مَا جَازَ فِي الاسم الَّذِي لَيْسَ بِمَصْدَرٍ هَذَا النَّصْبَ، وَلَكِنْ حَقُّهُ الرَّفْعُ انْتَهَى كَلَامُهُ.

وَهُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ كَلَامِ الزَّجَّاجِ وَالْفَرَّاءِ، وَهُمَا مُتَبَايِنَانِ لِأَنَّ الِانْتِصَابَ عَلَى الْحَالِ مُبَايِنٌ لِلِانْتِصَابِ عَلَى الْمَصْدَرِ الْمُؤَكِّدِ مُخَالِفٌ له. وقال الزمخشري: ونصيبا مَفْرُوضًا نُصِبَ عَلَى الِاخْتِصَاصِ بِمَعْنَى أَعْنِي: نَصِيبًا مَفْرُوضًا مَقْطُوعًا وَاجِبًا انْتَهَى. فَإِنْ عَنَى بِالِاخْتِصَاصِ مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ النَّحْوِيُّونَ فَهُوَ مَرْدُودٌ بِكَوْنِهِ نَكِرَةً، وَالْمَنْصُوبُ عَلَى الِاخْتِصَاصِ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ نَكِرَةً. وَقِيلَ: انْتَصَبَ نَصْبَ الْمَصْدَرِ الصَّرِيحِ، لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ أَيْ نَصِيبُهُ نَصِيبًا.

وَقِيلَ: حَالٌ مِنَ النَّكِرَةِ، لِأَنَّهَا قَدْ وُصِفَتْ. وَقِيلَ: بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: جَعَلْتُهُ أَوْ، أَوْجَبْتُ لَهُمْ نَصِيبًا. وَقِيلَ: حَالٌ مِنَ الْفَاعِلِ فِي قَلَّ أَوْ كَثُرَ.

وَاسْتُدِلَّ بِظَاهِرِ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى وُجُوبِ الْقِسْمَةِ فِي الْحُقُوقِ الْمُتَمَيِّزَةِ إِذَا أَمْكَنَتْ وَطَلَبَ ذَلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ بِلَا خِلَافٍ. وَاخْتَلَفُوا فِي قِسْمَةِ الْمَتْرُوكِ عَلَى الْفَرَائِضِ، إِذَا كَانَتِ الْقِسْمَةُ بِغَيْرِهِ عَلَى حاله كالحمام والرحا والبئر وَالدَّارِ الَّتِي تَبْطُلُ مَنَافِعُهَا بِافْتِرَاقِ السِّهَامِ. فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: تُقَسَّمُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَبُو ثَوْرٍ: لَا تُقَسَّمُ.

قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَهُوَ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ. وَاسْتُدِلَّ بِهَا أَيْضًا عَلَى وُجُوبِ تَوْرِيثِ الأخ للميت مع


(١) سورة النساء: ٤/ ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>