انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ غَيْرُهُمَا: لَوْ تَرَكُوا، لَوْ يَمْتَنِعُ بِهَا الشَّيْءُ لِامْتِنَاعِ غَيْرِهِ، وخافوا جَوَابُ لَوِ انْتَهَى.
فَظَاهِرُ هَذِهِ النُّصُوصِ أَنَّ لَوْ هنا هي الَّتِي تَكُونُ تَعْلِيقًا فِي الْمَاضِي، وَهِيَ الَّتِي يُعَبَّرُ عَنْهَا سِيبَوَيْهِ: بِأَنَّهَا حَرْفٌ لِمَا كَانَ يَقَعُ لِوُقُوعِ غَيْرِهِ. وَيُعَبِّرُ غَيْرُهُ عَنْهَا بِأَنَّهَا حَرْفٌ يَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِ الشَّيْءِ لِامْتِنَاعِ غَيْرِهِ. وَذَهَبَ صَاحِبُ التَّسْهِيلِ: إِلَى أَنَّ لَوْ هُنَا شَرْطِيَّةٌ بِمَعْنَى إِنْ فَتَقْلِبُ الْمَاضِيَ إِلَى مَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ، وَالتَّقْدِيرُ: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ إِنْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ. قَالَ: وَلَوْ وَقَعَ بَعْدَ لَوْ هَذِهِ مُضَارِعٌ لَكَانَ مُسْتَقْبَلَ الْمَعْنَى كَمَا يَكُونُ بَعْدَ إِنْ قَالَ الشَّاعِرُ:
لَا يُلْفِكَ الراجيك إِلَّا مُظْهِرًا ... خُلُقَ الْكَرِيمِ وَلَوْ تَكُونُ عَدِيمَا
وَكَأَنَّ قَائِلَ هَذَا تَوَهَّمَ أَنَّهُ لَمَّا أُمِرُوا بِالْخَشْيَةِ، وَالْأَمْرُ مُسْتَقْبَلٌ، وَمُتَعَلِّقُ الْأَمْرِ هُوَ مَوْصُولٌ، لَمْ يَصْلُحْ أَنْ تَكُونَ الصِّلَةُ مَاضِيَةً عَلَى تَقْدِيرِ دَالَّةٍ عَلَى الْعَدَمِ الَّذِي يُنَافِي امْتِثَالَ الْأَمْرِ. وَحَسُنَ مَكَانَ لَوْ لَفْظُ إِنْ فَقَالَ: إِنَّهَا تَعْلِيقٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَأَنَّهَا بِمَعْنَى إِنْ. وَكَأَنَّ الزَّمَخْشَرِيَّ عَرَضَ لَهُ هَذَا التَّوَهُّمُ، فَلِذَلِكَ قَالَ: مَعْنَاهُ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ صِفَتُهُمْ وَحَالُهُمْ أَنَّهُمْ لَوْ شَارَفُوا أَنْ يُتْرَكُوا، فَلَمْ تَدْخُلْ لَوْ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ، بَلْ أُدْخِلَتْ عَلَى شَارَفُوا الَّذِي هُوَ مَاضٍ أُسْنِدَ لِلْمَوْصُولِ حَالَةَ الْأَمْرِ. وَهَذَا الَّذِي تَوَهَّمُوهُ لَا يَلْزَمُ فِي الصِّلَةِ إِلَّا إِنْ كَانَتِ الصِّلَةُ مَاضِيَةً فِي الْمَعْنَى، وَاقِعَةً بِالْفِعْلِ. إِذْ مَعْنَى: لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ، أَيْ مَاتُوا فَتَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ، فَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَلَزِمَ التَّأْوِيلُ فِي لَوْ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى: إِنْ إِذْ لَا يُجَامَعُ الْأَمْرُ بِإِيقَاعِ فِعْلِ مَنْ مَاتَ بِالْفِعْلِ. أَمَّا إِذَا كَانَ مَاضِيًا عَلَى تَقْدِيرٍ يَصِحُّ أَنْ يَقَعَ صِلَةً، وَأَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ فِي الْمَوْصُولِ الْفِعْلَ الْمُسْتَقْبَلَ نَحْوُ قَوْلِكَ: لِيَزُرْنَا الَّذِي لَوْ مَاتَ أَمْسِ بَكَيْنَاهُ. وَأَصْلُ لَوْ أَنْ تَكُونَ تَعْلِيقًا فِي الْمَاضِي، وَلَا يُذْهَبُ إِلَى أَنَّهُ يَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِمَعْنَى: أَنْ، إِلَّا إِذَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَرِينَةٌ كَالْبَيْتِ الْمُتَقَدِّمِ. لِأَنَّ جَوَابَ لَوْ فِيهِ مَحْذُوفٌ مُسْتَقْبَلٌ لِاسْتِقْبَالِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُ:
لَا يُلْفِكَ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ:
قَوْمٌ إِذَا حاربوا شدّة مَآزِرَهُمْ ... دُونَ النِّسَاءِ وَلَوْ بانت بِأَطْهَارِ
لِدُخُولِ مَا بَعْدَهَا في حيز إذا، وإذا لِلْمُسْتَقْبَلِ. وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: لَوْ قَامَ زَيْدٌ قَامَ عَمْرٌو، لتبادر إِلَى الذِّهْنِ أَنَّهُ تَعْلِيقٌ فِي الْمَاضِي دُونَ الْمُسْتَقْبَلِ. ومن خلفهم متعلق بتركوا. وَأَجَازَ أَبُو الْبَقَاءِ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ذُرِّيَّةً.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ ضِعَافًا جَمْعُ ضَعِيفٍ، كَظَرِيفٍ وَظِرَافٍ. وَأَمَالَ فَتْحَةَ الْعَيْنِ حَمْزَةُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute