للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَنَعْنِي بِالْإِبْهَامِ أَنَّهُمَا لَا يَعُودَانِ عَلَى مُفَسِّرٍ مُتَقَدِّمٍ، بَلْ يَكُونُ مُفَسِّرُهُمَا هُوَ الْمَنْصُوبَ بَعْدَهُمَا، وَهَذَا الَّذِي لَمْ يُبْعِدْهُ الزَّمَخْشَرِيُّ هُوَ بَعِيدٌ، أَوْ مَمْنُوعٌ أَلْبَتَّةَ. لِأَنَّ كَانَ لَيْسَتْ مِنَ الْأَفْعَالِ الَّتِي يَكُونُ فَاعِلُهَا مُضْمَرًا يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَهُ، بَلْ هُوَ مُخْتَصٌّ مِنَ الْأَفْعَالِ بِنِعْمَ وَبِئْسَ وَمَا حُمِلَ عَلَيْهِمَا، وَفِي بَابِ التَّنَازُعِ عَلَى مَا قُرِّرَ فِي النَّحْوِ. وَمَعْنَى فَوْقَ اثْنَتَيْنِ: أَكْثَرُ مِنِ اثْنَتَيْنِ بَالِغَاتٍ مَا بَلَغْنَ مِنَ الْعَدَدِ، فَلَيْسَ لَهُنَّ إِلَّا الثُّلُثَانِ. وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ، اثْنَتَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا، وَأَنَّ قُوَّةَ الْكَلَامِ تَقْتَضِي ذلك كابن عَطِيَّةَ، أَوْ أَنَّ فَوْقَ زَائِدَةٌ مُسْتَدِلًّا بِأَنَّ فَوْقَ قَدْ زِيدَتْ فِي قَوْلِهِ: فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ «١» فَلَا يُحْتَاجُ فِي رَدِّ مَا زَعَمَ إِلَى حُجَّةٍ لِوُضُوحِ فَسَادِهِ. وَذَكَرُوا أَنَّ حُكْمَ الثِّنْتَيْنِ فِي الْمِيرَاثِ الثُّلُثَانِ كَالْبَنَاتِ. قَالُوا: وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ إِلَّا ابْنُ عَبَّاسٍ، فَإِنَّهُ يَرَى لَهُمَا النِّصْفَ إِذَا انْفَرَدَا كَحَالِهِمَا إِذَا اجْتَمَعَا مَعَ الذَّكَرِ، وَمَا احْتَجُّوا بِهِ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.

وَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ فِي قِصَّةِ أَوْسِ بْنِ ثابت: «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى الْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ»

وَبَنَاتُ الِابْنِ أَوِ الْأَخَوَاتُ الْأَشِقَّاءُ أَوْ لِأَبٍ كَبَنَاتِ الصُّلْبِ فِي الثُّلُثَيْنِ إِذَا انْفَرَدْنَ عَنْ مَنْ يَحْجُبُهُنَّ.

وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ قَرَأَ الْجُمْهُورُ وَاحِدَةً بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ كَانَ، أَيْ: وَإِنْ كَانَتْ هِيَ أَيِ الْبِنْتُ فَذَّةً لَيْسَ مَعَهَا أُخْرَى. وَقَرَأَ نَافِعٌ وَاحِدَةٌ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّ كَانَ تَامَّةٌ وواحدة الْفَاعِلُ. وَقَرَأَ السُّلَمِيُّ: النُّصْفُ بِضَمِّ النُّونِ، وَهِيَ قِرَاءَةٌ عَلِيٍّ وَزَيْدٍ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ. وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي ضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِهَا فِي فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ «٢» فِي الْبَقَرَةِ.

وَبِنْتُ الِابْنُ إِذَا لَمْ تَكُنْ بِنْتَ صُلْبٍ، وَالْأُخْتُ الشَّقِيقَةُ أَوْ لِأَبٍ، وَالزَّوْجُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجَةِ وَلَدٌ، وَلَا وَلَدُ ابْنٍ كَبِنْتِ الصُّلْبِ لِكُلٍّ مِنْهُمُ النِّصْفُ.

وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ لَمَّا ذَكَرَ الْفُرُوعَ وَمِقْدَارَ مَا يَرِثُونَ أَخَذَ فِي ذِكْرِ الْأُصُولِ وَمِقْدَارِ مَا يَرِثُونَ، فَذَكَرَ أَنَّ الْمَيِّتَ يَرِثُ مِنْهُ أَبَوَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ السُّدُسَ إِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ، وَأَبَوَاهُ هُمَا: أَبُوهُ وَأُمُّهُ. وَغَلَبَ لَفْظُ الْأَبِ فِي التَّثْنِيَةِ كَمَا قِيلَ:

الْقَمَرَانِ، فَغَلَبَ الْقَمَرُ لِتَذْكِيرِهِ عَلَى الشَّمْسِ، وَهِيَ تَثْنِيَةٌ لَا تُقَاسُ. وَشَمَلَ قَوْلُهُ: وَلَهُ وَلَدٌ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، وَالْوَاحِدَ وَالْجَمَاعَةَ.

وَظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّ فَرْضَ الْأَبِ السُّدُسُ إِذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ أَيَّ وَلَدٍ كَانَ، وَبَاقِي الْمَالِ لِلْوَلَدِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى. وَالْحُكْمُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْوَلَدُ أُنْثَى أخذ السدس فرضا،


(١) سورة الأنفال: ٨/ ١٢.
(٢) سورة البقرة: ٢/ ٢٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>