للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْفِقْهِ، وَالْبَحْثُ فِيهَا فِي عِلْمِ النَّحْوِ أَلْيَقُ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الْإِخْوَةُ تُفِيدُ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ بِغَيْرِ كَمِّيَّةٍ، وَالتَّثْنِيَةُ كَالتَّثْلِيثِ وَالتَّرْبِيعِ فِي إِفَادَةِ الْكَمِّيَّةِ، وَهُوَ مَوْضِعُ الدَّلَالَةِ عَلَى الْجَمْعِ الْمُطْلَقِ، فَدَلَّ بِالْإِخْوَةِ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَلَا نُسَلِّمُ لَهُ دَعْوَى أَنَّ الْإِخْوَةَ تُفِيدُ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ، بَلْ تُفِيدُ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ الَّتِي بَعْدَ التَّثْنِيَةِ بِغَيْرِ كَمِّيَّةٍ فِيمَا بَعْدَ التَّثْنِيَةِ، فَيَحْتَاجُ فِي إِثْبَاتِ دَعَوَاهُ إِلَى دَلِيلٍ. وَظَاهِرُ إِخْوَةٌ الْإِطْلَاقُ، فَيَتَنَاوَلُ الْإِخْوَةَ مِنَ الْأُمِّ فَيَحْجُبُونَ كَمَا قُلْنَا قَبْلُ. وَذَهَبَ الرَّوَافِضُ: إِلَى أَنَّ الْإِخْوَةَ مِنَ الْأُمِّ لَا يَحْجُبُونَ الْأُمَّ، لِأَنَّهُمْ يُدْلُونَ بِهَا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْجُبُوهَا وَيَجْعَلُوهُ لِغَيْرِهَا فَيَصِيرُونَ ضَارِّينَ لَهَا نَافِعِينَ لِغَيْرِهَا. وَاسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الْبِنْتَ تَقْلِبُ حَقَّ الْأُمِّ مِنَ الثُّلُثِ إِلَى السُّدُسِ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ، لِأَنَّهَا إِذَا حُرِمَتِ الثُّلُثَ بِالْإِخْوَةِ وَانْتَقَلَتْ إِلَى السُّدُسِ فَلَأَنْ تُحْرَمَ بِالْبِنْتِ أَوْلَى.

مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ الْمَعْنَى: أَنَّ قِسْمَةَ الْمَالِ بَيْنَ مَنْ ذُكِرَ إِنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ خُرُوجِ مَا يَجِبُ إِخْرَاجُهُ بِوَصِيَّةٍ، أَوْ بِدَيْنٍ. وَلَيْسَ تَعَلُّقُ الدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ بِالتَّرِكَةِ سَوَاءً، إِذْ لَوْ هَلَكَ مِنَ التَّرِكَةِ شَيْءٌ قَبْلَ الْقِسْمَةِ ذَهَبَ مِنَ الْوَرَثَةِ وَالْمُوصَى لَهُ جَمِيعًا، وَيَبْقَى الْبَاقِي بَيْنَهُمْ بِالشَّرِكَةِ، وَلَا يَسْقُطُ مِنَ الدَّيْنِ شَيْءٌ بِهَلَاكِ شَيْءٍ مِنَ التَّرِكَةِ. وَتَفْصِيلُ الْمِيرَاثِ عَلَى مَا ذَكَرُوا أَنَّهُ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُرَادُ ظَاهِرُ إِطْلَاقِ وَصِيَّةٍ مِنْ جَوَازِ الْوَصِيَّةِ بِقَلِيلِ الْمَالِ وَكَثِيرِهِ، بَلْ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى جَوَازِ الْوَصِيَّةِ بِنَقْصِ الْمَالِ. وَيُبَيِّنُ أَيْضًا ذَلِكَ قَوْلُهُ: لِلرِّجالِ نَصِيبٌ «١» ، الْآيَةَ. إِذْ لَوْ جَازَتِ الْوَصِيَّةُ بِجَمِيعِ الْمَالِ لَكَانَ هَذَا الْجَوَازُ نَاسِخًا لِهَذِهِ الْآيَةِ، وَقَدْ دَلَّ الْخَبَرُ الَّذِي تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ غَيْرُ جَائِزَةٍ فِي أَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ. وَقَدِ اسْتَحَبُّوا النُّقْصَانَ عَنْهُ هَذَا إِذَا كَانَ لَهُ وَارِثٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ، فَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ: لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ إِلَّا فِي الثُّلُثِ. وَقَالَ شَرِيكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ:

يَجُوزُ بِجَمِيعِ مَالِهِ، لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ فِي الْوَصِيَّةِ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ مُعَلَّلٌ بِوُجُودِ الْوَرَثَةِ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ وَأَجَازَ لِظَاهِرِ إِطْلَاقِ الْوَصِيَّةِ، لِأَنَّهُ إِذَا فُقِدَ مُوجِبُ تَخْصِيصِ الْبَعْضِ جَازَ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى ظَاهِرِهِ.

وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ: من بعد وصية يوصي بِهَا أَوْ دَيْنٍ، عَلَى أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ دَيْنٌ لِآدَمِيٍّ وَلَا وَصِيَّةٌ، يَكُونُ جَمِيعُ مَالِهِ لِوَرَثَتِهِ وَأَنَّهُ إِنْ كَانَ عَلَيْهِ حَجٌّ أَوْ زَكَاةٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ نَذْرٌ لَا يَجِبُ إِخْرَاجُهُ إِلَّا أَنْ يُوصِيَ بِذَلِكَ. وَفِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ نَظَرٌ. وَالْوَصِيَّةُ مَنْدُوبٌ إليها، وقد كانت


(١) سورة النساء: ٤/ ٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>