للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَمَا خُوطِبُوا هُمْ أَيْضًا فِي قِصَصِهِمْ، وَشُرِعَ لَنَا كَمَا شُرِعَ لَهُمْ، فَهِدَايَتُنَا سُنَنُهُمْ فِي الْإِرْشَادِ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَحْكَامُنَا وَأَحْكَامُهُمْ. وَالْأَمْرُ الثَّانِي: أَنَّ هِدَايَتَنَا سُنَنَهُمْ فِي أَنْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا كَمَا سَمِعُوا وَأَطَاعُوا، فَوَقَعَ التَّمَاثُلُ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ.

وَالْمُرَادُ بِالْهِدَايَةِ هُنَا الْإِرْشَادُ وَالتَّوْضِيحُ، وَلَا يَتَوَجَّهُ غَيْرُ ذَلِكَ بِقَرِينَةِ السُّنَنِ، وَالَّذِينَ من قبلناهم الْمُؤْمِنُونَ مِنْ كُلِّ شَرِيعَةٍ. وَقَالَ صَاحِبُ رَيِّ الظَّمْآنِ وَهُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْفَضْلِ الْمُرْسِيُّ: قَوْلُهُ تَعَالَى: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ، أَيْ: يُرِيدُ أَنْ يُبَيِّنَ، أَوْ يُرِيدُ إِنْزَالَ الْآيَاتِ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَهْدِيكُمْ، قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، وَالتَّكْرَارُ لِأَجْلِ التَّأْكِيدِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ. وَالْحَقُّ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْأَوَّلِ تَبْيِينُ التَّكَالِيفِ، ثُمَّ قَالَ:

وَيَهْدِيَكُمْ. وَفِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا بَيَّنَ تَحْرِيمَهُ لَنَا وَتَحْلِيلَهُ مِنَ النِّسَاءِ فِي الْآيَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَقَدْ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ أَيْضًا فِي جَمِيعِ الشَّرَائِعِ، وَإِنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً فِي نَفْسِهَا، مُتَّفِقَةً فِي بَابِ الْمَصَالِحِ انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ مَعْنَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرَهَا.

وَقَوْلُهُ: أَيْ يُرِيدُ أَنْ يُبَيِّنَ، مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الزَّمَخْشَرِيِّ.

وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ أَيْ يَرُدَّكُمْ مِنْ عِصْيَانِهِ إِلَى طَاعَتِهِ، وَيُوَفِّقَكُمْ لَهَا.

وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ عَلِيمٌ بِأَحْوَالِكُمْ وَبِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الشَّرَائِعِ وَالْمَصَالِحِ، حَكِيمٌ يُصِيبُ بِالْأَشْيَاءِ مَوَاضِعَهَا بِحَسَبِ الْحِكْمَةِ وَالْإِتْقَانِ.

وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيماً تُعَلَّقُ الْإِرَادَةُ أَوَّلًا بِالتَّوْبَةِ عَلَى سَبِيلِ الْعِلِّيَّةِ عَلَى مَا اخْتَرْنَاهُ مِنَ الْأَقْوَالِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ، مَعْطُوفٌ عَلَى العلة، فهو علة. ونعلقها هُنَا عَلَى سَبِيلِ الْمَفْعُولِيَّةِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ التَّعَلُّقَانِ فَلَا تَكْرَارَ. وَكَمَا أَرَادَ سَبَبَ التَّوْبَةِ فَقَدْ أَرَادَ التَّوْبَةَ عَلَيْهِمْ، إِذْ قَدْ يَصِحُّ إِرَادَةُ السَّبَبِ دُونَ الْفِعْلِ. وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ مُتَعَلِّقَ الْإِرَادَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَاحِدٌ كَانَ قَوْلُهُ: وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ تَكْرَارًا لِقَوْلِهِ: وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ، مَعْطُوفٌ عَلَى مَفْعُولٍ، فَهُوَ مَفْعُولٌ بِهِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَتَكْرَارُ إِرَادَةِ اللَّهِ لِلتَّوْبَةِ عَلَى عِبَادِهِ تَقْوِيَةٌ لِلْإِخْبَارِ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ الْمَقْصِدُ فِي الْآيَةِ إِلَّا الْإِخْبَارَ عَنْ إِرَادَةِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ، فَقُدِّمَتْ إِرَادَةُ اللَّهِ تَوْطِئَةً مُظْهِرَةً لِفَسَادِ مُتَّبِعِي الشَّهَوَاتِ. انْتَهَى كَلَامُهُ. فَاخْتَارَ مَذْهَبَ الْكُوفِيِّينَ فِي أَنْ جَعَلُوا قَوْلَهُ: لِيُبَيِّنَ، فِي مَعْنَى أَنْ يُبَيِّنَ، فَيَكُونُ مفعولا ليريد، وَعُطِفَ عَلَيْهِ: وَيَتُوبَ، فَهُوَ مَفْعُولٌ مِثْلُهُ، وَلِذَلِكَ قَالَ: وَتَكْرَارُ إِرَادَةِ اللَّهِ التَّوْبَةَ عَلَى عِبَادِهِ إِلَى آخَرَ كَلَامِهِ. وَكَانَ قَدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>