للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى أَنْوَاعِ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ قَالُوا: وَيُؤَيِّدُهُ قِرَاءَةُ كَبِيرٌ عَلَى التَّوْحِيدِ،

وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا؟ قَالَ: «وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ»

فَقَدْ جَاءَ الْوَعِيدُ عَلَى الْيَسِيرِ، كَمَا جَاءَ عَلَى الْكَثِيرِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُ قَوْلِ هَؤُلَاءِ قَالَ: كُلُّ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ فَهُوَ كَبِيرَةٌ.

وَالَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَى انْقِسَامِ الذُّنُوبِ إِلَى كَبَائِرَ وَصَغَائِرَ، وَأَنَّ الصَّغَائِرَ تُكَفَّرُ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ ظَاهِرُ الْآيَةِ وَعَضَّدَهُ الْحَدِيثُ الثَّابِتُ

عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ قَوْلِهِ: «مَا مِنِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وَضَوْءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يَأْتِ كَبِيرَةً وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ»

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ» .

وَاخْتَلَفُوا فِي الْكَبَائِرِ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: هِيَ ثَلَاثٌ: الْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالْيَأْسُ مِنْ رُوحِ اللَّهِ، وَالْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهَا أَرْبَعٌ: فَزَادَ الْإِشْرَاكَ بِاللَّهِ.

وَقَالَ عَلِيٌّ: هِيَ سَبْعٌ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَالْفِرَارُ يَوْمَ الزَّحْفِ، وَالتَّعَرُّبِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ.

وَقَالَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ: الْكَبَائِرُ سَبْعٌ كَقَوْلِ عَلِيٍّ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا آيَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَجَعَلَ الْآيَةَ فِي التَّعَرُّبِ: إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى «١» الْآيَةَ

وَفِي الْبُخَارِيِّ: «اتَّقُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ»

فَذَكَرَ هَذِهِ إِلَّا التَّعَرُّبَ، فَجَاءَ بَدَلَهُ السِّحْرُ. وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْكَبَائِرَ هِيَ هَذِهِ السَّبْعُ الَّتِي ثَبَتَتْ فِي الْبُخَارِيِّ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَذَكَرَ هَذِهِ إِلَّا السِّحْرَ، وَزَادَ الْإِلْحَادَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.

وَالَّذِي يَسْتَسْخِرُ بِالْوَالِدَيْنِ مِنَ الْعُقُوقِ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَيْضًا وَالنَّخَعِيُّ: هِيَ جَمِيعُ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ إِلَى ثَلَاثِينَ آيَةً مِنْهَا، وَهِيَ: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ «٢» وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ: هِيَ إِلَى السَّبْعِينَ أَقْرَبُ مِنْهَا إِلَى السَّبْعِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا: الْكَبَائِرُ كُلُّ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ وَعِيدٌ بِنَارٍ، أَوْ عَذَابٍ، أَوْ لَعْنَةٍ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَإِلَى نَحْوٍ مِنْ هَذَا ذَهَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ حَزْمٍ الْفَارِسِيُّ الْقُرْطُبِيُّ، قَالَ: قَدْ أَطَلْتُ التَّفْتِيشَ عَنْ هَذَا مُنْذُ سِنِينَ فَصَحَّ لِي أَنَّ كُلُّ مَا تَوَعَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالنَّارِ فَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ، وَوَجَدْنَاهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدْ أَدْخَلَ فِي الْكَبَائِرِ بِنَصِّ لَفْظِهِ أَشْيَاءَ غَيْرَ الَّتِي ذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ- يعني


(١) سورة محمد: ٤٧/ ٢٥.
(٢) سورة النساء: ٤/ ٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>