للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ قَوْلِ ابْنِ مُجَاهِدٍ فِي كِتَابِ السَّبْعَةِ لَهُ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي قَوْلِهِ: وَلْيَسْئَلُوا مَا أَنْفَقُوا «١» أَنَّهُ مَهْمُوزٌ لِأَنَّهُ لِغَائِبٍ انْتَهَى.

وَرَوَى الْكِسَائِيُّ عَنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَشَيْبَةَ: أَنَّهُمَا لَمْ يَهْمِزَا وَسَلْ وَلَا فَسَلْ

، مِثْلَ قِرَاءَةِ الْكِسَائِيِّ، وَحَذْفُ الْهَمْزَةِ فِي سَلْ لُغَةُ الْحِجَازِ، وَإِثْبَاتُهَا لُغَةٌ لِبَعْضِ تَمِيمٍ. وَرَوَى الْيَزِيدِيُّ عَنْ أَبِي عَمْرٍو: أَنَّ لُغَةَ قُرَيْشٍ سَلْ. فَإِذَا أَدْخَلُوا الْوَاوَ وَالْفَاءَ هَمَزُوا، وَسَأَلَ يَقْتَضِي مَفْعُولَيْنِ، وَالثَّانِي لِقَوْلِهِ: وَاسْأَلُوا اللَّهَ هُوَ قَوْلُهُ: مِنْ فَضْلِهِ.

كَمَا تَقُولُ: أَطْعَمْتُ زَيْدًا مِنَ اللَّحْمِ، وَكَسَوْتُهُ مِنَ الْحَرِيرِ، وَالتَّقْدِيرُ: شَيْئًا مِنْ فَضْلِهِ، وَشَيْئًا مِنَ اللَّحْمِ، وَشَيْئًا مِنَ الْحَرِيرِ. وَقَالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ: مِنْ زَائِدَةٌ، وَالتَّقْدِيرُ: وَسَلُوا اللَّهَ فَضْلَهُ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ إِلَّا عَلَى مَذْهَبِ الْأَخْفَشِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَيَحْسُنُ عِنْدِي أَنْ يُقَدَّرَ الْمَفْعُولُ أَمَانِيَكُمْ إِذْ مَا تَقَدَّمَ يُحَسِّنُ هَذَا الْمَعْنَى.

إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً أَيْ عِلْمُهُ مُحِيطٌ بِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ فَهُوَ عَالِمٌ بِمَا فَضَّلَ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ وَمَا يَصْلُحُ لِكُلٍّ مِنْكُمْ مِنْ تَوْسِيعٍ أَوْ تَقْتِيرٍ فَإِيَّاكُمْ وَالِاعْتِرَاضَ بِتَمَنٍّ أَوْ غَيْرِهِ وَهُوَ عَالِمٌ أَيْضًا بِسُؤَالِكُمْ مِنْ فَضْلِهِ فَيَسْتَجِيبُ دُعَاءَكُمْ وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ لَمَّا نَهَى عَنِ التَّمَنِّي الْمَذْكُورِ، وَأَمَرَ بِسُؤَالِ اللَّهِ مِنْ فَضْلِهِ، أَخْبَرَ تَعَالَى بِشَيْءٍ مِنْ أَحْوَالِ الْمِيرَاثِ، وَأَنَّ فِي شَرْعِهِ ذَلِكَ مَصْلَحَةً عَظِيمَةً مِنْ تَحْصِيلِ مَالٍ لِلْوَارِثِ لَمْ يَسْعَ فِيهِ، وَلَمْ يَتَعَنَّ بِطَلَبِهِ، فَرُبَّ ساع لقاعد.

وكلّ لَا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا مُضَافَةً، إما للظاهر، وَإِمَّا لْمُقَدَّرٍ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَعْيِينِ الْمُقَدَّرِ هُنَا، فَقِيلَ: الْمَحْذُوفُ إِنْسَانٌ، وَقِيلَ: الْمَحْذُوفُ مَالٌ. وَالْمَوْلَى: لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ مَعَانٍ كَثِيرَةٍ، مِنْهَا: الْوَارِثُ وَهُوَ الَّذِي يَحْسُنُ أَنْ يُفَسَّرَ بِهِ هُنَا، لِأَنَّهُ يَصْلُحُ لِتَقْدِيرِ إِنْسَانٍ وَتَقْدِيرِ مَالٍ، وَبِذَلِكَ فَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ وَغَيْرُهُمْ: أَنَّ الْمَوَالِيَ الْعُصْبَةُ وَالْوَرَثَةُ، فَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى: وَلِكُلِّ إِنْسَانٍ، احْتَمَلَ وُجُوهًا:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ لكلّ متعلقا بجعلنا، وَالضَّمِيرُ فِي تَرَكَ عَائِدٌ عَلَى كُلٍّ الْمُضَافِ لِإِنْسَانٍ، وَالتَّقْدِيرُ: وَجَعَلَ لِكُلِّ إِنْسَانٍ وَارِثًا مِمَّا تَرَكَ، فَيَتَعَلَّقُ مِمَّا بِمَا فِي مَعْنَى مَوَالِي مِنْ مَعْنَى الْفِعْلِ، أَوْ بِمُضْمَرٍ يُفَسِّرُهُ الْمَعْنَى، التَّقْدِيرُ: يَرِثُونَ مِمَّا تَرَكَ، وَتَكُونُ الْجُمْلَةُ قَدْ تَمَّتْ عِنْدَ قَوْلِهِ: مِمَّا تَرَكَ، وَيَرْتَفِعُ الْوَالِدَانِ عَلَى إِضْمَارٍ كَأَنَّهُ قِيلَ: وَمَنِ الْوَارِثُ؟ فَقِيلَ: هُمُ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ ورّاثا، والكلام جملتان.


(١) سورة الممتحنة: ٦٠/ ١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>