وَالسَّكَرُ: بِالْفَتْحِ مَا أَسْكَرَ، أَيْ مَنَعَ مِنَ التَّمْيِيزِ.
الْغَائِطُ: مَا انْخَفَضَ مِنَ الْأَرْضِ، وَجَمْعُهُ غِيطَانُ. وَيُقَالُ: عَيْطٌ وَغَوْطٌ. وَزَعَمَ ابْنُ جِنِّي: أَنَّ غَيْطًا فَعِيلٌ، إِذْ أَصْلُهُ عِنْدَهُ غَيِّطٌ مِثْلَ هَيِّنٍ وَسَيِّدٍ إِذَا أَخْفَفْتَهُمَا. وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ فَعْلٌ. كَمَا أَنَّ غَوْطًا فَعْلٌ، لِأَنَّ الْعَرَبَ قَالَتْ: غَاطَ يَغُوطُ وَيَغِيطُ، فَأَتَتْ بِهِ مَرَّةً فِي ذَوَاتِ الْيَاءِ، وَمَرَّةً فِي ذَوَاتِ الْوَاوِ. وَجَمَعُوا غَوْطًا عَلَى أَغْوَاطٍ وَيُقَالُ: تَغَوَّطَ إِذَا أَحْدَثَ وَغَاطَ فِي الْأَرْضِ يَغِيطُ وَيَغُوطُ غَابَ فِيهَا حَتَّى لَا يَظْهَرَ إِلَّا لِمَنْ وَقَفَ عَلَيْهِ. وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَرَادَ التَّبَرُّزَ ارْتَادَ غَائِطًا مِنَ الْأَرْضِ يَسْتَتِرُ فِيهِ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ، ثُمَّ قِيلَ: لِلْحَدَثِ. نَفْسِهِ غَائِطًا، كَمَا قِيلَ: سَالَ الْمِيزَانُ وَجَرَى النَّهْرُ.
إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ نَزَلَتْ فِي الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ. وَقِيلَ: فِي الْخُصُومِ.
وَقِيلَ: فِي عَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ. وَمُنَاسَبَةُ هَذِهِ لِمَا قَبْلَهَا وَاضِحَةٌ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ بِعِبَادَتِهِ تَعَالَى وَبِالْإِحْسَانِ لِلْوَالِدَيْنِ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُمْ، ثُمَّ أَعْقَبَ ذَلِكَ بِذَمِّ الْبُخْلِ وَالْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ مَعَهُ، ثُمَّ وَبَّخَ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ، وَلَمْ يُنْفِقْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، فَكَانَ هَذَا كُلُّهُ تَوْطِئَةً لِذِكْرِ الْجَزَاءِ عَلَى الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ فَأَخْبَرَ تَعَالَى بِصِفَةِ عَدْلِهِ، وَأَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَظْلِمُ أَدْنَى شَيْءٍ، ثُمَّ أَخْبَرَ بِصِفَةِ الْإِحْسَانِ فَقَالَ:
وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً وَضَرَبَ مَثَلًا لِأَحْقَرِ الْأَشْيَاءِ وَزْنَ ذَرَّةٍ، وَذَلِكَ مُبَالَغَةٌ عَظِيمَةٌ فِي الِانْتِفَاءِ عَنِ الظُّلْمِ الْبَتَّةَ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: مِثْقَالَ ذَرَّةٍ، أَنَّ الذَّرَّةَ لَهَا وَزْنٌ. وَقِيلَ: الذَّرَّةُ لَا وَزْنَ لَهَا، وَأَنَّهُ امْتَحَنَ ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ لَهَا وَزْنٌ. وَإِذَا كَانَ تَعَالَى لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فَلِأَنْ لَا يَظْلِمُ فَوْقَ ذَلِكَ أَبْلَغُ، وَلَمَّا كَانَتِ الذَّرَّةُ أَصْغَرَ الْمَوْجُودَاتِ ضَرَبَ بِهَا الْمَثَلَ فِي الْقِلَّةِ. وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مِثْقَالَ نَمْلَةٍ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الشَّرْحِ لِلذَّرَّةِ.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ أَدْنَى شَيْءٍ وَأَصْغُرُهُ، أَوْ زَادَ فِي الْعِقَابِ، لَكَانَ ظُلْمًا. وَأَنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ لِاسْتِحَالَتِهِ فِي الْحِكْمَةِ، لَا لِاسْتِحَالَتِهِ فِي الْقُدْرَةِ انْتَهَى.
وَهِيَ نَزْعَةٌ اعْتِزَالِيَّةٌ. وَثَبَتَ
فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِي الْآخِرَةِ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطَعَمُ بِحَسَنَاتِهِ ما عمل بها فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الْآخِرَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بها»
ويظلم يَتَعَدَّى لِوَاحِدٍ، وَهُوَ مَحْذُوفٌ وَتَقْدِيرُهُ: لَا يَظْلِمُ أَحَدًا مِثْقَالَ ذَرَّةٍ. وَيَنْتَصِبُ مِثْقَالَ عَلَى أَنَّهُ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ: ظُلْمًا وَزَنَ ذَرَّةٍ، كَمَا تَقُولُ: لَا أَظْلِمُ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا. وَقِيلَ: ضُمِّنَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute