للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَاغْسِلُوا

«١» الْآيَةَ أَيْ أُبِيحَ لَهُمْ أَنْ يُؤَخِّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى يَزُولَ السُّكْرُ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ فَأُمِرُوا بِالصَّلَاةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، ثُمَّ نُسِخَ شُرْبُ الْخَمْرِ بِقَوْلِهِ: فَاجْتَنِبُوهُ «٢» وَلَمْ يُنْزِلِ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ فِي إِبَاحَةِ الْخَمْرِ فَلَا تَكُونُ مَنْسُوخَةً، وَلَا أَبَاحَ بَعْدَ إِنْزَالِهَا مُجَامَعَةَ الصَّلَاةِ مَعَ السُّكْرِ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ مَفْهُومَ الْخِطَابِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ السُّكْرِ، وَإِنَّمَا حَرُمَ قُرْبَانُ الصَّلَاةِ فِي تِلْكَ الْحَالِ، فَنُسِخَ مَا فُهِمَ مِنْ جَوَازِ الشُّرْبِ وَالسُّكْرِ بِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ.

وَمُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْآيَةِ لِمَا قَبْلَهَا هِيَ: أَنَّهُ لَمَّا أَمَرَ تَعَالَى بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَالْإِخْلَاصِ فِيهَا، وَأَمَرَ بِبِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَذَمَّ الْبُخْلَ وَاسْتَطْرَدَ مِنْهُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ أَحْوَالِ الْقِيَامَةِ، وَكَانَ قَدْ وَقَعَ مِنْ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ تَخْلِيطٌ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ رَأْسُ الْعِبَادَةِ بِسَبَبِ شُرْبِ الْخَمْرِ، نَاسَبَ أَنْ تَخْلُصَ الصَّلَاةُ مِنْ شَوَائِبِ الْكَدَرِ الَّتِي يُوقِعُهَا عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا، فَأَمَرَ تَعَالَى بِإِتْيَانِهَا عَلَى وَجْهِهَا دُونَ مَا يُفْسِدُهَا، لِيَجْمَعَ لَهُمْ بَيْنَ إِخْلَاصِ عِبَادَةِ الْحَقِّ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ الَّتِي بَيْنَهُمْ، وَبَيْنَ الْخَلْقِ وَالْخِطَابُ بِقَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِلصَّاحِينَ، لِأَنَّ السَّكْرَانَ إِذَا عَدِمَ التَّمْيِيزَ لِسُكْرِهِ لَيْسَ بِمُخَاطَبٍ، لَكِنَّهُ مُخَاطَبٌ إِذَا صَحَا بِامْتِثَالِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَبِتَكْفِيرِهِ مَا أَضَاعَ فِي وَقْتِ سُكْرِهِ مِنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي تَقَرَّرَ تَكْلِيفُهُ إِيَّاهَا قَبْلَ السُّكْرِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ النَّاسِ.

وَبَالَغَ تَعَالَى فِي النَّهْيِ عَنْ أَنْ يُصَلِّيَ الْمُؤْمِنُ وَهُوَ سَكْرَانُ بِقَوْلِهِ: لَا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ لِأَنَّ النهي عن قربان الصلاة أَبْلَغُ مِنْ قَوْلِهِ: لَا تُصَلُّوا وَأَنْتُمْ سُكَارَى وَمِنْهُ: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى «٣» وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ «٤» وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ

«٥» وَالْمَعْنَى: لَا تَغُشُّوا الصَّلَاةَ. وَقِيلَ: هُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ: لَا تَقْرَبُوا مَوَاضِعَ الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ: وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ فِي عَابِرِي سَبِيلٍ، وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَمَوَاضِعُ الصَّلَاةِ هِيَ الْمَسَاجِدُ

لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ وَمَجَانِينَكُمْ» .

وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ: وَأَنْتُمْ سُكَارَى مِنَ الْخَمْرِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: الْمُرَادُ السُّكْرُ من النوم،

لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبُّ نَفْسَهُ»

وَقَالَ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَأَنْتُمْ سُكَارَى إذا


(١) سورة المائدة: ٥/ ٦.
(٢) سورة المائدة: ٥/ ٩.
(٣) سورة الإسراء: ١٧/ ٣٢.
(٤) سورة الأنعام: ٦/ ١٥١. [.....]
(٥) سورة الأنعام: ٦/ ١٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>