للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قِيلَ: لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ فِي حَالِ الْجَنَابَةِ إِلَّا وَمَعَكُمْ حَالٌ أُخْرَى تُعْذَرُونَ فِيهَا وَهِيَ حَالُ السَّفَرِ، وَعُبُورُ السَّبِيلِ عِبَارَةٌ عَنْهُ. وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ حَالًا وَلَكِنْ صِفَةً كَقَوْلِهِ: جُنُبًا أَيْ: وَلَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ جُنُبًا غَيْرَ عَابِرِي سَبِيلٍ، أَيْ: جُنُبًا مُقِيمِينَ غَيْرَ مَعْذُورِينَ. (فَإِنْ قُلْتَ) : كَيْفَ تَصِحُّ صَلَاتُهُمْ عَلَى الْجَنَابَةِ لِعُذْرِ السَّفَرِ؟ (قُلْتُ) : أُرِيدَ بِالْجُنُبِ الَّذِينَ لَمْ يَغْتَسِلُوا، كَأَنَّهُ قِيلَ:

لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ غَيْرَ مُغْتَسِلِينَ حَتَّى تَغْتَسِلُوا، إِلَّا أَنْ تَكُونُوا مُسَافِرِينَ انْتَهَى كَلَامُهُ. وَمَنْ قَالَ: بِمَنْعِ الْجُنُبِ مِنَ الْمُرُورِ فِي الْمَسْجِدِ وَالْجُلُوسِ فِيهِ تَعْظِيمًا لَهُ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَمْنَعَهُ وَالْحَائِضَ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ، فَلَا يَجُوزُ لَهُمَا أَنْ يَقْرَآ مِنْهُ شَيْئًا سَوَاءٌ كَانَ كَثِيرًا أَمْ قَلِيلًا حَتَّى يَغْتَسِلَا، وَرَخَّصَ مَالِكٌ لَهُمَا فِي الْآيَةِ الْيَسِيرَةِ لِلتَّعَوُّذِ، وَأَجَازَ لِلْحَائِضِ أَنْ تَقْرَأَ مُطْلَقًا إِذَا خَافَتِ النِّسْيَانَ عِنْدَ الْحَيْضِ، وَذَكَرُوا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَلَا تَعَلُّقَ لَهَا فِي التَّفْسِيرِ بِلَفْظِ الْقُرْآنِ.

حَتَّى تَغْتَسِلُوا هَذِهِ غَايَةٌ لِامْتِنَاعِ الْجُنُبِ مِنَ الصَّلَاةِ، وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي الْحَظْرِ إِلَى أَنْ يُوقِعَ الِاغْتِسَالَ مُسْتَوْعِبًا جَمِيعَهُ. وَالْخِلَافُ: هَلْ يَدْخُلُ فِي مَاهِيَّةِ الْغُسْلِ إِمْرَارُ الْيَدِ أَوْ شَبَهِهَا مَعَ الْمَاءِ عَلَى الْمَغْسُولِ؟ فَلَوِ انْغَمَسَ فِي الْمَاءِ أَوْ صَبَّهُ عَلَيْهِ فَمَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ:

أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ حَتَّى يَتَدَلَّكَ، وَبِهِ قَالَ الْمُزَنِيُّ: وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ: أَنَّهُ يُجْزِئُهُ مِنْ غَيْرِ تَدَلُّكٍ.

وَهَلْ يَجِبُ فِي الْغَسْلِ تَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ؟ فِيهِ عَنْ مَالِكٍ خِلَافٌ. وَأَمَّا الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ فِي الْغَسْلِ فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى فَرْضِيَّتِهِمَا فِيهِ لَا فِي الْوُضُوءِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَإِسْحَاقُ وَأَحْمَدُ وَبَعْضُ أَصْحَابِ دَاوُدَ: هُمَا فَرْضٌ فِيهِمَا. وروي عن عطاء، والزهري وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَجَمَاعَةٌ مِنَ التابعين، ومالك، والأوزاعي، والليث، والشافعي، ومحمد بْنُ جَرِيرٍ: لَيْسَا بِفَرْضٍ فِيهِمَا. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّ الْمَضْمَضَةَ سُنَّةٌ، وَالِاسْتِنْشَاقَ فَرْضٌ، وَقَالَ بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِ دَاوُدَ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: حَتَّى تَغْتَسِلُوا حُصُولُ الِاغْتِسَالِ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ نِيَّةُ الِاغْتِسَالِ، بَلْ ذُكِرَ حُصُولُ مُطْلَقِ الِاغْتِسَالِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ فِي كُلِّ طَهَارَةٍ بِالْمَاءِ. وَرَوَى هَذَا الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مَالِكٍ، وَمَشْهُورُ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ.

وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ قَالَ الْجُمْهُورُ: نَزَلَتْ بِسَبَبِ عَدَمِ الصَّحَابَةِ الْمَاءَ فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ، حِينَ أَقَامَ عَلَى الْتِمَاسِ الْعِقْدِ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ: فِي قَوْمٍ أَصَابَتْهُمْ جِرَاحٌ وَأَجْنَبُوا. وَقِيلَ: كَانَ ذَلِكَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، ومرضى يَعْنِي فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>