بِلَذَّةٍ لَمْ يَنْتَقِضِ الْوُضُوءُ. وَقَالَ مَالِكٌ: الْمُلَامِسُ بِالْجِمَاعِ يَتَيَمَّمُ، وَكَذَا بِالْيَدِ إِذَا الْتَذَّ فَإِنْ لَمَسَ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ فَلَا وُضُوءَ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا أَفْضَى بِشَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ إِلَى بَدَنِ الْمَرْأَةِ نَقَضَ الطَّهَارَةَ، وَهُوَ قَوْلُ: ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عمر، والزهري، وربيعة، وعبيدة، والشعبي، وابراهيم، ومنصور، وَابْنِ سِيرِينَ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إِنْ كَانَ بِالْيَدِ نَقَضَ وَإِلَّا فَلَا. وَقَرَأَ حَمْزَةُ، والكسائي: لَمَسْتُمْ وَبَاقِي السَّبْعَةِ بِالْأَلْفِ، وَفَاعِلُ هُنَا مُوَافِقٌ فِعْلَ الْمُجَرَّدِ نَحْوَ: جَاوَزْتُ الشَّيْءَ وَجُزْتُهُ، وَلَيْسَتْ لِأَقْسَامِ الْفَاعِلِيَّةِ وَالْمَفْعُولِيَّةِ لَفْظًا، وَالِاشْتِرَاكُ فيهما مَعْنًى، وَقَدْ حَمَلَهَا الشَّافِعِيُّ عَلَى ذَلِكَ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْهِ.
فَقَالَ: الْمَلْمُوسُ كَاللَّامِسِ فِي نَقْضِ الطَّهَارَةِ.
وَقَوْلُهُ: أَوْ عَلَى سَفَرٍ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَطْفًا عَلَى مَرْضَى. وَفِي قَوْلِهِ: أَوْ جَاءَ، أَوْ لَامَسْتُمْ دَلِيلُ عَلَى جَوَازِ وُقُوعِ الْمَاضِي خَبَرًا لِكَانَ مِنْ غَيْرِ قَدْ وَادِّعَاءُ إِضْمَارِهَا تَكَلُّفٌ خِلَافًا لِلْكُوفِيِّينَ لِعَطْفِهَا عَلَى خَبَرِ كَانَ، وَالْمَعْطُوفُ عَلَى الْخَبَرِ خَبَرٌ. فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى مَنْ أُسْنِدَ إِلَيْهِمُ الْحُكْمُ فِي الْأَخْبَارِ الْأَرْبَعَةِ. وَفِيهِ تَغْلِيبُ الْخِطَابِ إِذْ قَدِ اجْتَمَعَ خِطَابٌ وَغَيْبَةٌ، فَالْخِطَابُ: كُنْتُمْ مَرْضَى، أَوْ عَلَى سَفَرٍ، أَوْ لَامَسْتُمُ. وَالْغَيْبَةُ قَوْلُهُ: أَوْ جَاءَ أَحَدٌ. وَمَا أَحْسَنَ مَا جَاءَتْ هَذِهِ الْغَيْبَةُ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَنَّى عَنِ الْحَاجَةِ بِالْغَائِطِ كَرِهَ إِسْنَادَ ذَلِكَ إِلَى الْمُخَاطَبِينَ، فَنَزَعَ بِهِ إِلَى لَفْظِ الْغَائِبِ بِقَوْلِهِ: أَوْ جَاءَ أَحَدٌ، وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ الْمُلَاحَظَاتِ وَأَجْمَلِ الْمُخَاطَبَاتِ. وَلَمَّا كَانَ الْمَرَضُ وَالسَّفَرُ وَلَمْسُ النِّسَاءِ لَا يَفْحُشُ الْخِطَابُ بِهَا جَاءَتْ عَلَى سَبِيلِ الْخِطَابِ. وَظَاهِرُ انْتِفَاءِ الْوِجْدَانِ سَبَقَ تَطَلُّبُهُ وَعَدَمُ الْوُصُولِ إِلَيْهِ، فَأَمَّا فِي حَقِّ الْمَرِيضِ فَجَعَلَ الْمَوْجُودَ حِسًّا فِي حَقِّهِ إِذَا كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ اسْتِعْمَالَهُ كَالْمَفْقُودِ شَرْعًا، وَأَمَّا غَيْرُهُ بَاقِي الْأَرْبَعَةِ فَانْتِفَاءُ وِجْدَانِ الْمَاءِ فِي حَقِّهِمْ هُوَ على ظاهره. وفلم تَجِدُوا مَعْطُوفٌ عَلَى فِعْلِ الشَّرْطِ فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا هَذَا جَوَابُ الشَّرْطِ، أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالتَّيَمُّمِ عِنْدَ حُصُولِ سَبَبٍ مِنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ الْأَرْبَعَةِ وَفُقْدَانِ الْمَاءِ.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإِنْ قُلْتَ) : كَيْفَ نَظَمَ فِي سِلْكٍ وَاحِدٍ بَيْنَ الْمَرْضَى وَالْمُسَافِرِينَ، وَبَيْنَ الْمُحْدِثِينَ وَالْمُجْنِبِينَ، وَالْمَرَضُ وَالسَّفَرُ سَبَبَانِ مِنْ أَسْبَابِ الرُّخْصَةِ، وَالْحَدَثُ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْوُضُوءِ، وَالْجَنَابَةُ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْغُسْلِ؟ (قُلْتُ) : أَرَادَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يُرَخِّصَ لِلَّذِينِ وَجَبَ عَلَيْهِمُ التَّطَهُّرُ وَهُمْ عَادِمُونَ لِلْمَاءِ فِي التَّيَمُّمِ وَالتُّرَابِ، فَخَصَّ أَوَّلًا مِنْ بَيْنِهِمْ مَرْضَاهُمْ وَسَفَرَهُمْ لِأَنَّهُمُ الْمُتَقَدِّمُونَ فِي اسْتِحْقَاقِ بَيَانِ الرُّخْصَةِ لَهُمْ، لِكَثْرَةِ الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ وَغَلَبَتِهِمَا عَلَى سَائِرِ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِلرُّخْصَةِ، ثُمَّ عَمَّ كُلَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّطَهُّرُ وَأَعْوَزَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute