للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِ، فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

وَيُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ: مَا فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ.

وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْيَهُودِيَّ يُسَمَّى مُشْرِكًا فِي عُرْفِ الشَّرْعِ، وَإِلَّا كَانَ مُغَايِرًا لِلْمُشْرِكِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَغْفُورًا لَهُ. وَلِأَنَّ اتِّصَالِ هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا إِنَّمَا كَانَ لِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ تَهْدِيدَ اليهود، فاليهودية دَاخِلَةٌ تَحْتَ اسْمِ الشِّرْكِ. فَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا «١» ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا «٢» وَقَوْلُهُ: مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ «٣» ولَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ «٤» فَالْمُغَايَرَةُ وَقَعَتْ بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ اللُّغَوِيِّ، وَالِاتِّحَادُ بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ الشَّرْعِيِّ.

وَقَدْ قَالَ الزَّجَّاجُ: كُلُّ كَافِرٍ مُشْرِكٌ، لِأَنَّهُ إِذَا كَفَرَ مَثَلًا بِنَبِيٍّ زَعَمَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ الَّتِي أَتَى بِهَا لَيْسَتْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَيَجْعَلُ مَا لَا يَكُونُ إِلَّا لِلَّهِ لِغَيْرِ اللَّهِ، فَيَصِيرُ مُشْرِكًا بِهَذَا الْمَعْنَى.

فَعَلَى هَذَا يَكُونُ التَّقْدِيرُ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ كُفْرَ مَنْ كَفَرَ بِهِ، أَوْ بِنَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَائِهِ. وَالْمُرَادُ: إِذْ أَلْقَى اللَّهُ بِذَلِكَ، لِأَنَّ الْإِيمَانَ يُزِيلُ عَنْهُ إِطْلَاقَ الْوَصْفِ بِمَا تَقَدَّمَهُ مِنَ الْكُفْرِ بِإِجْمَاعٍ،

وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» .

وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً أَيِ اخْتَلَقَ وَافْتَعَلَ مَا لَا يُمْكِنُ.

وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قال: «أن تجعل الله نِدًّا وَقَدْ خَلَقَكَ» .

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ قَالَ الْجُمْهُورُ: هُمُ الْيَهُودُ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ زَيْدٍ: هُمُ النَّصَارَى. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: يُزَكِّي بَعْضُهُمْ بَعْضًا لِتُقْبِلَ عَلَيْهِمُ الْمُلُوكُ وَسَفِلَتُهُمْ، وَيُوَاصِلُوهُمْ بِالرِّشَا. وَقَالَ عطية عن ابن عباس: قَالُوا آبَاؤُنَا الَّذِينَ مَاتُوا يُزَكُّونَنَا عِنْدَ اللَّهِ وَيَشْفَعُونَ لَنَا.

وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ فِي آخَرِينَ: أَتَى مَرْحَبُ بْنُ زَيْدٍ وَبَحْرِيُّ بْنُ عَمْرٍو وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْيَهُودِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُمْ أَطْفَالُهُمْ فَقَالُوا: هَلْ عَلَى هَؤُلَاءِ مِنْ ذَنْبٍ؟ فَقَالَ: لَا.

فَقَالُوا: نَحْنُ كَهُمْ مَا أذنبنا بالليل يكفر عنها بِالنَّهَارِ، وَمَا أَذْنَبْنَا بِالنَّهَارِ يُكَفَّرُ عَنَّا بِاللَّيْلِ فَنَزَلَتْ.

وَقِيلَ: هُوَ قَوْلُهُمْ: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فتزكيتهم أنفسهم. قال عكرمة، ومجاهد، وَأَبُو مَالِكٍ: كَانُوا يُقَدِّمُونَ الصِّبْيَانَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ فَيُصَلُّونَ بِهِمْ وَيَقُولُونَ: لَيْسَتْ لَهُمْ ذُنُوبٌ، فَإِذَا صَلَّى بِنَا الْمَغْفُورُ لَهُ غُفِرَ لَنَا. وَقَالَ قَتَادَةُ


(١) سورة البقرة: ٢/ ٦٢.
(٢) سورة.
(٣) سورة البقرة: ٢/ ١٠٥.
(٤) سورة البينة: ٩٨/ ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>