للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ أَيْ: مِنْ آلِ إِبْرَاهِيمَ مَنْ آمَنَ بِإِبْرَاهِيمَ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ كَقَوْلِهِ: «فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ» «١» قَالَهُ السُّدِّيُّ: أَوْ فَمِنْ آلِ إِبْرَاهِيمَ مَنْ آمَنَ بِالْكِتَابِ، أَوْ فَمِنَ الْيَهُودِ المخاطبين بِقَوْلِهِ: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا» «٢» مَنْ آمَنَ بِهِ أَيْ بِالْقُرْآنِ، وَهُوَ الْمَأْمُورُ بِالْإِيمَانِ بِهِ فِي قَوْلِهِ: بِمَا نَزَّلْنَا قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَمُقَاتِلٌ، وَالْفَرَّاءُ، وَالْجُمْهُورُ وَلِذَلِكَ ارْتَفَعَ الطَّمْسُ وَلَمْ يَقَعْ. أَوْ فَمِنَ الْيَهُودِ مَنْ آمَنَ بِالْفَضْلِ الَّذِي أُوتِيَهُ الرسول صلى الله عليه وَسَلَّمَ أَوِ الْعَرَبُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. أَوْ فَمِنَ الْيَهُودِ مَنْ آمَنَ بِهِ، أَيْ بِمَا ذُكِرَ مِنْ حَدِيثِ آلِ إِبْرَاهِيمَ. أَوْ فَمِنَ الْيَهُودِ مَنْ آمَنَ بِرَسُولِ اللَّهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ نُبُوَّتَهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَنْكَرَ عَلَى الْيَهُودِ حَسَدَهُمُ النَّاسَ عَلَى فَضْلِ اللَّهِ الَّذِي آتَاهُمْ، أَتَى بِمَا بَعْدَهُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِطْرَادِ وَالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تَحْسُدُوا فَقَدْ حَازَ أَسْلَافُكُمْ مِنَ الشَّرَفِ مَا يَنْبَغِي أَنْ لَا تَحْسُدُوا أَحَدًا.

وَتَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ تَسْلِيَةَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَوْنِهِمْ يَحْسُدُونَهُ وَلَا يَتَّبِعُونَهُ، فَذَكَرَ أَنَّهُمْ أَيْضًا مَعَ أَسْلَافِهِمْ وَأَنْبِيَائِهِمُ انْقَسَمُوا إِلَى مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ، هَذَا وَهُمْ أَسْلَافُهُمْ فَكَيْفَ بِنَبِيٍّ لَيْسَ هُوَ مِنْهُمْ؟.

وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ جُبَيْرٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَابْنُ يَعْمَرَ، وَالْجَحْدَرِيُّ: وَمَنْ صُدَّ عَنْهُ بِرَفْعِ الصَّادِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ. وَقَرَأَ أُبَيٌّ وَأَبُو الْحَوْرَاءِ وأبو رجاء والحوقي، بِكَسْرِ الصَّادِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ. وَالْمُضَاعَفُ الْمُدْغَمُ الثُّلَاثِيُّ يَجُوزُ فِيهِ إِذَا بُنِيَ لِلْمَفْعُولِ مَا جَازَ فِي بَاعَ إِذَا بُنِيَ لِلْمَفْعُولِ، فَتَقُولُ: حُبُّ زَيْدٍ بِالضَّمِّ، وَحِبٌّ بِالْكَسْرِ. وَيَجُوزُ الْإِشْمَامُ. وَالصَّدُّ لَيْسَ مُقَابِلًا لِلْإِيمَانِ إِلَّا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَكَانَ الْمَعْنَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ: فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَذَّبَ بِهِ وَصَدَّ عَنْهُ.

وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً أَيِ احْتِرَاقًا وَالْتِهَابًا أَيْ لِمَنْ صَدَّ عَنْهُ. وسعيرا يميز وَهُوَ شِدَّةُ تَوَقُّدِ النَّارِ. وَالتَّقْدِيرُ: وَكَفَى بِسَعِيرِ جَهَنَّمَ سَعِيرًا، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ شِدَّةِ الْعَذَابِ وَالْعُقُوبَةِ.

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا لَمَّا ذَكَرَ قَوْلَهُ: وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ، وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا أَتْبَعَ ذَلِكَ بِمَا أَعَدَّ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ بِآيَاتِهِ، ثُمَّ بَعْدُ يُتْبَعُ بِمَا أَعَدَّ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَصَارَ نَظِيرَ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ، «فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ» «٣» . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ نُصْلِيهِمْ مِنْ أَصْلَى. وَقَرَأَ حُمَيْدٌ: نَصْلِيهِمْ مِنْ صَلِيَتْ. وَقَرَأَ سَلَّامٌ وَيَعْقُوبُ: نُصْلِيهِمْ بِضَمِّ الهاء.


(١) سورة الحديد: ٥٣/ ٢٦.
(٢) سورة النساء: ٤/ ٤٧.
(٣) سورة آل عمران: ٣/ ١٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>