للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَثَلُهُمْ كَمَنْ يَرَى الشَّيْءَ عِيَانًا مِنْ بَعِيدٍ وَإِيَّاهُ عَنَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ حِينَ

قِيلَ لَهُ: هَلْ رَأَيْتَ اللَّهَ؟ فَقَالَ: مَا كُنْتُ لأعبد شيئا لَمْ أَرَهُ ثُمَّ قَالَ: «لَمْ تَرَهُ الْعُيُونُ بِشَوَاهِدِ الْأَبْصَارِ، وَلَكِنْ رَأَتْهُ الْقُلُوبُ بِحَقَائِقِ الْإِيمَانِ.

الثَّالِثُ: الشُّهَدَاءُ وَهُمُ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ الشَّيْءَ بِالْبَرَاهِينِ. وَمَثَلُهُمْ كَمَنْ يَرَى الشَّيْءَ فِي الْمِرْآةِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ، كَحَالِ حَارِثَةَ حَيْثُ قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي، وَإِيَّاهُ قَصَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ

قَالَ: «اعْبُدِ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ» .

الرَّابِعُ: الصَّالِحُونَ، وَهُمُ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ الشَّيْءَ بِاتِّبَاعَاتِ وَتَقْلِيدَاتِ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ، وَمَثَلُهُمْ كَمَنْ يَرَى الشَّيْءَ مِنْ بَعِيدٍ فِي مِرْآةٍ. وَإِيَّاهُ قَصَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

بِقَوْلِهِ: «اعْبُدِ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ»

انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهُوَ شَبِيهٌ بِكَلَامِ الْمُتَصَوِّفَةِ.

وَقَالَ عكرمة: النبيون محمد صلى الله عليه وسلّم، وَالصِّدِّيقُونَ أَبُو بَكْرٍ، وَالشُّهَدَاءُ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ، وَالصَّالِحُونَ صالحو أمة محمد صلى الله عليه وسلّم انْتَهَى. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ التَّمْثِيلِ، وَأَمَّا عَلَى طَرِيقِ الْحَصْرِ فَلَا، وَلَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ مِنَ الِاكْتِفَاءِ بِالطَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ، إِذِ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى الصِّفَةِ يَكْفِي فِي الْعَمَلِ فِي جَانِبِ الثُّبُوتِ حُصُولَ ذَلِكَ الْمُسَمَّى مَرَّةً وَاحِدَةً لِدُخُولِ الْمُنَافِقِينَ فِيهِ، لِأَنَّهُمْ قَدْ يَأْتُونَ بِالطَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ، بَلْ يُحْمَلَ عَلَى غَيْرِ الظَّاهِرِ بِأَنْ تُحْمَلَ الطَّاعَةُ عَلَى فِعْلِ جَمِيعِ الْمَأْمُورَاتِ، وَتَرْكِ جَمِيعِ الْمَنْهِيَّاتِ.

وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً أُولَئِكَ: إِشَارَةٌ إِلَى النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ.

لَمْ يَكْتَفِ بِالْمَعِيَّةِ حَتَّى جَعَلَهُمْ رُفَقَاءَ لَهُمْ، فَالْمُطِيعُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ يُوَافِقُونَهُ وَيَصْحَبُونَهُ، وَالرَّفِيقُ الصَّاحِبُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِلِارْتِفَاقِ بِهِ. وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَنْتَصِبَ رَفِيقًا عَلَى الْحَالِ مِنْ أُولَئِكَ، أَوْ عَلَى التَّمْيِيزِ. وَإِذَا انْتَصَبَ عَلَى التَّمْيِيزِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ مَنْقُولًا، فَيَجُوزُ دُخُولُ مِنْ عَلَيْهِ، وَيَكُونُ هُوَ الْمُمَيَّزَ. وَجَاءَ مُفْرَدًا إِمَّا لِأَنَّ الرَّفِيقَ مِثْلَ الْخَلِيطِ وَالصَّدِيقِ، يَكُونُ لِلْمُفْرَدِ وَالْمُثَنَّى وَالْمَجْمُوعِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ. وَإِمَّا لِإِطْلَاقِ الْمُفْرَدِ فِي بَابِ التَّمْيِيزِ اكْتِفَاءً وَيُرَادُ بِهِ الْجَمْعُ، وَيُحَسِّنُ ذَلِكَ هُنَا كَوْنُهُ فَاصِلَةً، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَنْقُولًا مِنَ الْفَاعِلِ، فَلَا يَكُونُ هُوَ الْمُمَيَّزَ وَالتَّقْدِيرُ: وَحَسُنَ رَفِيقُ أُولَئِكَ، فَلَا تَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أُولَئِكَ إِشَارَةً إِلَى مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ، وَجُمِعَ عَلَى مَعْنَى مِنْ وَيَجُوزُ فِي انْتِصَابِ رَفِيقًا إلا وجه السَّابِقَةُ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: وَحَسُنَ بِضَمِّ السِّينِ، وَهِيَ الْأَصْلُ، وَلُغَةُ الْحِجَازِ. وَقَرَأَ أَبُو السَّمَّالِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>