للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والضمير الذي لِلْخِطَابِ هُوَ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَفِي بَيْنَهُ لِلْقَائِلِ. وَاعْتَرَضَ بِهِ بَيْنَ أَثْنَاءَ الْحَمْلَةِ الْأَخِيرَةِ، وَلَمْ يَتَأَخَّرْ بَعْدَهَا وَإِنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى مُتَأَخِّرًا إِذْ مَعْنَاهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَضْمُونِ الْجُمْلَتَيْنِ، لِأَنَّ مَعْمُولَ الْقَوْلِ النِّيَّةُ بِهِ التَّقْدِيمُ، لَكِنَّهُ حَسَّنَ تَأْخِيرَهُ كَوْنُهُ وَقَعَ فَاصِلَةً. وَلَوْ تَأَخَّرَتْ جُمْلَةُ الِاعْتِرَاضِ لَمْ يَحْسُنْ لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ فَاصِلَةٌ، وَالتَّقْدِيرُ: لَيَقُولَنَّ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ، إِذْ صَدَرَ مِنْهُ قَوْلُهُ وَقْتَ الْمُصِيبَةِ: قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا. وَقَوْلُهُ: وَقْتَ الْغَنِيمَةِ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ، وَهَذَا قَوْلُ مَنْ لَمْ تَسْبِقْ مِنْهُ مَوَدَّةٌ لَكُمْ.

وَفِي الْآيَتَيْنِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَعُدُّونَ مِنَ الْمَنْحِ إِلَّا أَغْرَاضَ الدُّنْيَا، يَفْرَحُونَ بِمَا يَنَالُونَ مِنْهَا، وَلَا مِنَ الْمِحَنِ إِلَّا مَصَائِبَهَا فَيَتَأَلَّمُونَ لِمَا يُصِيبُهُمْ مِنْهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ «١» الْآيَةَ. وَتَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ أَنْوَاعًا مِنَ الْفَصَاحَةِ وَالْبَدِيعِ:

دُخُولُ حَرْفِ الشَّرْطِ عَلَى مَا لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْحَقِيقَةِ فِي قَوْلِهِ: إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ. وَالْإِشَارَةُ فِي ذَلِكَ: خَيْرٌ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ، فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ، وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا، ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ. وَالِاسْتِفْهَامُ الْمُرَادُ بِهِ التَّعَجُّبُ فِي: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ. وَالتَّجْنِيسُ الْمُغَايِرُ فِي: أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا، وَفِي: أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ، وَفِي: وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا، وَفِي: يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا، وَفِي: وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا، وَفِي: فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ، وَفِي:

فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا. وَالِاسْتِعَارَةُ فِي: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ، أَصْلُ الْمُنَازَعَةِ الْجَذْبُ بِالْيَدِ، ثُمَّ اسْتُعِيرَ لِلتَّنَازُعِ فِي الْكَلَامِ. وَفِي: ضَلَالًا بَعِيدًا اسْتَعَارَ الْبُعْدَ الْمُخْتَصَّ بِالْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ لِلْمَعَانِي الْمُخْتَصَّةِ بِالْقُلُوبِ لِدَوَامِ الْقُلُوبِ عَلَيْهَا، وَفِي: فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ اسْتَعَارَ مَا اشْتَبَكَ وَتَضَايَقَ مِنَ الشَّجَرِ لِلْمُنَازَعَةِ الَّتِي يَدْخُلُ بِهَا بَعْضُ الْكَلَامِ فِي بَعْضٍ اسْتِعَارَةَ الْمَحْسُوسِ للمعقول وفي: أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا أَطْلَقَ اسْمَ الْحَرَجِ الَّذِي هُوَ مِنْ وَصْفِ الشَّجْرِ إِذَا تَضَايَقَ عَلَى الْأَمْرِ الَّذِي يَشُقُّ عَلَى النَّفْسِ لِلْمُنَاسَبَةِ الَّتِي بَيْنَهُمَا وَهُوَ مِنَ الضِّيقِ وَالتَّتْمِيمِ، وَهُوَ أَنْ يَتْبَعَ الْكَلَامَ كَلِمَةٌ تَزِيدُ الْمَعْنَى تَمُكُّنًا وَبَيَانًا لِلْمَعْنَى الْمُرَادِ وَهُوَ فِي قَوْلِهِ: قَوْلًا بَلِيغًا أَيْ: يَبْلُغُ إِلَى قُلُوبِهِمْ أَلَمُهُ أَوْ بَالِغًا فِي زَجْرِهِمْ. وَزِيَادَةُ الْحَرْفِ لِزِيَادَةِ الْمَعْنَى فِي: مِنْ رَسُولٍ أَتَتْ لِلِاسْتِغْرَاقِ إِذْ لَوْ لَمْ تَدْخُلْ لَا وَهُمُ الْوَاحِدُ. وَالتَّكْرَارُ فِي: استغفر واستغفروا أنفسهم، وفي أَنْفُسِهِمْ وَاسْمُ اللَّهِ فِي مَوَاضِعَ. وَالِالْتِفَاتُ فِي: وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ. وَالتَّوْكِيدُ بِالْمَصْدَرِ في: ويسلموا


(١) سورة الفجر: ٨٩/ ١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>