النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ فِي سَرَايَاهُ، فَإِذَا طَرَأَتْ لَهُمْ شُبْهَةُ أَمْنٍ لِلْمُسْلِمِينَ، أَوْ فُتِحَ عَلَيْهِمْ، حَقَّرُوهَا وَصَغَّرُوا شَأْنَهَا انْتَهَى. وَالضَّمِيرُ فِي بِهِ عَائِدٌ عَلَى الْأَمْرِ، قِيلَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَعُودَ عَلَى الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ، وَوَحَّدَ الضَّمِيرَ لِأَنَّ، أَوْ تَقْتَضِي أَحَدَهُمَا.
وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ أَيْ: وَلَوْ رَدُّوا الْأَمْرَ الَّذِي بَلَغَهُمْ إِلَى الرَّسُولِ وَأُولِي الْأَمْرِ وَهُمُ: الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ وَمَنْ يَجْرِي عَلَى سَنَنِهِمْ، قَالَهُ: ابْنُ عَبَّاسٍ، أَوْ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ خَاصَّةً، قَالَهُ: عِكْرِمَةُ. أَوْ أُمَرَاءُ السَّرَايَا قَالَهُ:
السُّدِّيُّ، وَمُقَاتِلٌ، وَابْنُ زَيْدٍ. أَوِ الْعُلَمَاءُ مِنَ الصَّحَابَةِ قَالَهُ: الْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَابْنُ جُرَيْجٍ.
وَالْمَعْنَى: لَوْ أَمْسَكُوا عَنِ الْخَوْضِ فِيمَا بَلَغَهُمْ، وَاسْتَقْصَوُا الْأَمْرَ مِنَ الرَّسُولِ وَأُولِي الْأَمْرِ، لَعَلِمَ حَقِيقَةَ ذَلِكَ الْأَمْرِ الْوَارِدِ مَنْ لَهُ بَحْثٌ وَنَظَرٌ وَتَجْرِبَةٌ، فَأَخْبَرُوهُمْ بِحَقِيقَةِ ذَلِكَ، وَأَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ جَارِيًا عَلَى أَوَّلِ خَبَرٍ يَطْرَأُ.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هُمْ نَاسٌ مِنْ ضَعَفَةِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ لَمْ تَكُنْ فِيهِمْ خِبْرَةٌ بِالْأَحْوَالِ وَالِاسْتِبْطَانِ لِلْأُمُورِ، كَانُوا إِذَا بَلَغَهُمْ خَبَرٌ عَنْ سَرَايَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَمْنٍ وَسَلَامَةٍ أَوْ خَوْفٍ وَخَلَلٍ أَذَاعُوا بِهِ، وَكَانَتْ إِذَاعَتُهُمْ مَفْسَدَةً. وَلَوْ رَدُّوا ذَلِكَ الْخَبَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ وَهُمْ: كِبَارُ الصَّحَابَةِ الْبُصَرَاءُ بِالْأُمُورِ، أَوِ الَّذِينَ كَانُوا يُؤَمَّرُونَ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ، لِعِلْمِ تَدْبِيرِ مَا أَخْبَرُوا بِهِ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ أَيِ: الَّذِينَ يَسْتَخْرِجُونَ تَدْبِيرَهُ بِفِطْنِهِمْ وَتَجَارِبِهِمْ وَمَعْرِفَتِهِمْ بِأُمُورِ الْحَرْبِ وَمَكَايِدِهَا. وَقِيلَ: كَانُوا يَقِفُونَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُولِي الْأَمْرِ عَلَى أَمْنٍ وَوُثُوقٍ بِالظُّهُورِ عَلَى بَعْضِ الْأَعْدَاءِ، أَوْ عَلَى خَوْفٍ وَاسْتِشْعَارٍ، فَيُذِيعُونَهُ فَيُنْشَرُ، فَيَبْلُغُ الْأَعْدَاءَ فَتَعُودُ إِذَاعَتُهُمْ مَفْسَدَةً، وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ وَفَوَّضُوهُ إِلَيْهِمْ، وَكَانُوا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعُوا لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَ تَدْبِيرَهُ كَيْفَ يُدَبِّرُونَهُ، وَمَا يَأْتُونَ وَيَدْرُونَ فِيهِ.
وَقِيلَ: كَانُوا يَسْمَعُونَ مِنْ أَفْوَاهِ الْمُنَافِقِينَ شَيْئًا مِنَ الْخَبَرِ عَنِ السَّرَايَا مَظْنُونًا غَيْرَ مَعْلُومِ الصِّحَّةِ فيذيعونه، فيعود ذلك وبالأعلى الْمُؤْمِنِينَ. وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ، وَقَالُوا: نَسْكُتُ حَتَّى نَسْمَعَهُ مِنْهُمْ، وَنَعْلَمَ هَلْ هُوَ مِمَّا يُذَاعُ أَوْ لَا يُذَاعُ؟ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ لِعِلْمِ صِحَّتِهِ، وَهَلْ هُوَ مِمَّا يُذِيعُ هَؤُلَاءِ الْمُذِيعُونَ وَهُمُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنَ الرَّسُولِ وَأُولِي الْأَمْرِ أَيْ: يَتَلَقَّوْنَهُ مِنْهُمْ وَيَسْتَخْرِجُونَ عِلْمَهُ مِنْ جِهَتِهِمْ انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَهَذِهِ كُلُّهَا تَأْوِيلَاتٌ حَسَنَةٌ، وَأَجْرَاهَا عَلَى نَسَقِ الْكَلَامِ هَذَا التَّأْوِيلُ الْأَخِيرُ وَهُوَ: أَنَّ الْمَعْنَى إِذَا طَرَأَ خَبَرٌ بِأَمْنِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ خَوْفٍ، فَيَنْبَغِي أَنْ لا يُشَاعَ، وَأَنْ يُرَدَّ إِلَى الرَّسُولِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute