للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُؤْمِنُ الْمَقْتُولُ خَطَأً إِنْ كَانَ قَوْمُهُ الْمُشْرِكُونَ لَيْسَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّبِيِّ عَهْدٌ فَعَلَى قَاتِلِهِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ، أَوْ كَانَ فَتُؤَدَّى دِيَتُهُ لِقَرَابَتِهِ الْمُعَاهَدِينَ.

قَالَ بَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ: اخْتَلَفَتْ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ فِي مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَقُتِلَ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ: إِنْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ مُسْتَأْمَنٌ فَكَفَّارَةُ الْخَطَأِ، أَوْ كَانَا مُسْتَأْمَنَيْنِ فَعَلَى الْقَاتِلِ الدِّيَةُ وَكَفَّارَةُ الْخَطَأِ، أَوْ أَسِيرَيْنِ فَعَلَى الْقَاتِلِ كَفَّارَةُ الْخَطَأِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَأَبُو يُوسُفَ: الدِّيَةُ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ. وَقَالَ مَالِكٌ:

عَلَى قَاتِلِ مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَلَمْ يَخْرُجِ، الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ إِنْ كَانَ خَطَأً. وَالْآيَةُ إِنَّمَا كَانَتْ فِي صُلْحِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ مَكَّةَ، لِأَنَّهُ مَنْ لَمْ يُهَاجِرْ لَمْ يُوَرَّثْ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَوَارَثُونَ بِالْهِجْرَةِ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ: إِذَا أَقَامَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْخُرُوجِ حُكِمَ عَلَيْهِ بِمَا يُحْكَمُ عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ فِي نفسه وماله وأدّ الحق بِدَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَرْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مُرْتَدٌّ بِتَرْكِهِ دَارَ الْإِسْلَامِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا قَتَلَ مُسْلِمًا فِي دَارِ الْحَرْبِ فِي الْغَارَةِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُهُ مُسْلِمًا فَلَا عَقْلَ فِيهِ وَلَا قَوْدَ، وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْمُسْلِمُ أَسِيرًا، أَوْ مُسْتَأْمَنًا، أَوْ رَجُلًا أَسْلَمَ هُنَاكَ، وَإِنْ عَلِمَهُ مُسْلِمًا فَقَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْقَوْدُ انْتَهَى مَا نَقَلَهُ هَذَا الْمُصَنِّفُ. وَالَّذِي يَظْهَرُ مِنْ مَدْلُولِ هَذِهِ الْجُمَلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَيَّنَ أَحْكَامَ الْمُؤْمِنِ الْمَقْتُولِ خَطَأً فِي هَذِهِ الْجُمَلِ الثَّلَاثِ، وَلِذَلِكَ قَابَلَهَا بِقَوْلِهِ: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا، فَهُوَ الْمُؤْمِنُ الْمَقْتُولُ خَطَأً إِنْ كَانَ أَهْلُهُ مُؤْمِنِينَ أَوْ مُعَاهَدِينَ، فَالتَّحْرِيرُ وَالدِّيَةُ. وَنَزَلَ الْمُعَاهَدُونَ فِي أَخْذِ الدِّيَةِ مَنْزِلَةَ الْمُؤْمِنِينَ، لِأَنَّ أَحْكَامَ الْمُؤْمِنِينَ جَارِيَةٌ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ أَهْلُهُ حَرْبِيِّينَ فَالتَّحْرِيرُ فَقَطْ.

وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ قَالَ الْحَسَنُ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَإِبْرَاهِيمُ وَغَيْرُهُمْ: وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ خَطَأً مُؤْمِنًا مِنْ قَوْمٍ مُعَاهَدِينَ لَكُمْ، فَعَهْدُهُمْ يُوجِبُ أَنَّهُمْ أَحَقُّ بِدِيَةِ صَاحِبِهِمْ، وَكَفَّارَتُهُ التَّحْرِيرُ، وَأَدَاءُ الدِّيَةِ إِلَيْهِمْ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ: مِيرَاثُهُ لِلْمُسْلِمِينَ. وَقَرَأَهَا الْحَسَنُ: وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ، وَهُوَ مُؤْمِنٌ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالشَّعْبِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ أَيْضًا، وَالزُّهْرِيُّ: الْمَقْتُولُ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ خَطَأً كَانَ مُؤْمِنًا أَوْ كَافِرًا عَلَى عَهْدِ قَوْمِهِ، فِيهِ الدِّيَةُ كَدِيَةِ الْمُسْلِمِ وَالتَّحْرِيرُ.

وَاخْتُلِفَ عَلَى هَذَا فِي دِيَةِ الْمُعَاهَدِ. فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ: دِيَتُهُ كَدِيَةِ الْمُسْلِمِ.

وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. وَقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ: نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ: ثُلُثُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ. وَالَّذِي يَظْهَرُ مِنْ دَلَالَةِ مِنَ التَّبْعِيضِيَّةِ أَنَّهَا قَيْدٌ فِي الْجُمْلَةِ الْأَوْلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>