مُؤَنَّثَةٍ كَاللَّاتِ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ وَنَايِلَةَ. وَيُرَدُّ عَلَى هَذَا بِأَنَّهَا كَانَتْ تُسَمَّى أَيْضًا بِأَسْمَاءٍ مُذَكَّرَةٍ:
كَهُبَلَ، وَذِي الْخُلَصَةِ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُ: الْمُرَادُ مَا كَانَتِ الْعَرَبُ تَعْتَقِدُهُ مِنْ تَأْنِيثِ الْمَلَائِكَةِ وَعِبَادَتِهِمْ إِيَّاهَا، فَقِيلَ لَهُمْ: هَذَا عَلَى إِقَامَةِ الْحُجَّةِ مِنْ فَاسِدِ قَوْلِهِمْ. وَقَالَ الْحَسَنُ: لَمْ يَكُنْ حَيٌّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ إِلَّا وَلَهُمْ صَنَمٌ يَعْبُدُونَهُ يُسَمُّونَهُ أُنْثَى بَنِي فُلَانٍ، وَفِي هَذَا تَعْبِيرُهُمْ بِالتَّأْنِيثِ لِنَقْصِهِ وَخَسَاسَتِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّذْكِيرِ. وَقَالَ الرَّاغِبُ: أَكْثَرُ مَا عَبَدَتْهُ الْعَرَبُ مِنَ الْأَصْنَامِ كَانَتْ أَشْيَاءَ مُنْفَعِلَةً غَيْرَ فَاعِلَةٍ، فَبَكَّتْهُمُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ مَعَ كَوْنِهِمْ فَاعِلِينَ مِنْ وَجْهٍ يَعْبُدُونَ مَا لَيْسَ هُوَ إِلَّا مُنْفَعِلًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَعَلَى هَذَا نَبَّهَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِقَوْلِهِ: لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ
«١» .
وَقَرَأَ أَبُو رَجَاءٍ: إِنْ تَدْعُونَ بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ، وَرُوِيَتْ عَنْ عَاصِمٍ. وَفِي مُصْحَفِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: إِلَّا أَوْثَانًا جَمْعُ وَثَنٍ، وَهُوَ الصَّنَمُ. وَقَرَأَ بذلك أبو السوار والهناي.
وَقَرَأَ الْحَسَنُ: إِلَّا أُنْثَى عَلَى التَّوْحِيدِ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو حَيْوَةَ، وَالْحَسَنُ، وَعَطَاءٌ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ، وَأَبُو نَهِيكٍ، وَمُعَاذٌ الْقَارِئُ: أُنْثًا. قَالَ الطَّبَرِيُّ: فِيمَا حَكَى إِنَاثٌ كَثِمَارٍ وَثَمَرٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: أَنَثٌ جَمْعُ أَنِيثٍ، كَغَرِيرٍ وَغَرَرٍ. وَقَالَ الْمَغْرِبِيُّ: إِلَّا إِنَاثًا إِلَّا ضِعَافًا عَاجِزِينَ لَا قُدْرَةَ لَهُمْ، يُقَالُ: سَيْفٌ أَنِيثٌ وَمِينَاثَةٌ بِالْهَاءِ وَمَيْنَاثٌ غَيْرُ قَاطِعٍ. قَالَ الشَّاعِرُ:
فَتُخْبِرُنِي بِأَنَّ الْعَقْلَ عِنْدِي ... جُرَازٌ لَا أَقَلَّ وَلَا أَنِيثُ
أَنَّثَ فِي أَمْرِهِ لَانَ، وَالْأَنِيثُ الْمُخَنَّثُ الضَّعِيفُ مِنَ الرِّجَالِ. وَقَرَأَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَأَبُو الْمُتَوَكِّلِ، وَأَبُو الْجَوْزَاءِ: إِلَّا وَثَنًا بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالثَّاءِ مِنْ غَيْرِ هَمْزَةٍ.
وَقَرَأَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ، وَمُسْلِمُ بْنُ جُنْدُبٍ، وَرُوِيَتْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عمر، وعطاء:
الا أنثا، يُرِيدُونَ وَثَنًا، فَأَبْدَلَ الْهَمْزَةَ وَاوًا، وَخُرِّجَ عَلَى أَنَّهُ جَمْعُ جَمْعٍ إِذْ أَصْلُهُ وَثَنٌ، فَجُمِعَ عَلَى وِثَانٍ كَجَمَلٍ وَجِمَالٍ، ثُمَّ وِثَانٍ عَلَى وُثُنٍ كَمِثَالٍ، وَمُثُلٍ وَحِمَارٍ وَحُمُرٍ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:
هَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ فعالا في جمع فعل إِنَّمَا هُوَ لِلتَّكْثِيرِ، وَالْجَمْعُ الَّذِي هُوَ لِلتَّكْثِيرِ لَا يُجْمَعُ، وَإِنَّمَا يُجْمَعُ جُمُوعَ التَّقْلِيلِ، وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: وُثْنٌ جَمْعُ وَثَنٍ دُونَ وَاسِطَةٍ، كَأَسَدٍ وَأُسْدٍ انْتَهَى. وَلَيْسَ قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يُجْمَعُ جُمُوعُ التَّقْلِيلِ بِصَوَابٍ، كَامِلٍ الْجُمُوعُ مُطْلَقًا لَا يَجُوزُ أَنْ تُجْمَعَ بِقِيَاسٍ سَوَاءٌ كَانَتْ لِلتَّكْثِيرِ أَمْ لِلتَّقْلِيلِ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ النَّحْوِيُّونَ. وقرأ أيوب
(١) سورة مريم: ١٩/ ٤٢.