للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَمْرِ النِّسَاءِ فَنَزَلَتْ

: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ «١» وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَعَلَى مَا قَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ وَمَا نُقِلَ عَنْ عَائِشَةَ يَكُونُ يُفْتِيكُمْ وَيُتْلَى فِيهِ وُضِعَ الْمُضَارِعُ مَوْضِعَ الْمَاضِي، لِأَنَّ الْإِفْتَاءَ وَالتِّلَاوَةَ قَدْ سَبَقَتْ. وَالْإِضَافَةُ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ مِنْ بَابِ إِضَافَةِ الْخَاصِّ إِلَى الْعَامِّ، لِأَنَّ النِّسَاءَ يَنْقَسِمْنَ إِلَى يَتَامَى وَغَيْرِ يَتَامَى. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ:

هِيَ مِنْ إِضَافَةِ الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ، وَهَذَا عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ لَا يَجُوزُ، وَذَلِكَ مُقَرَّرٌ فِي عِلْمِ النَّحْوِ.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإِنْ قُلْتَ) : الْإِضَافَةُ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ مَا هِيَ؟ (قُلْتُ) : إِضَافَةٌ بِمَعْنَى مِنْ هِيَ إِضَافَةُ الشَّيْءِ إِلَى جِنْسِهِ، كَقَوْلِكَ: خَاتَمُ حَدِيدٍ، وَثَوْبُ خَزٍّ، وَخَاتَمُ فِضَّةٍ.

وَيَجُوزُ الْفَصْلُ وَإِتْبَاعُ الْجِنْسِ لِمَا قَبْلَهُ ونصبه وجره بمن، وَالَّذِي يَظْهَرُ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ وَفِي سَحْقِ عِمَامَةٍ أَنَّهَا إِضَافَةٌ عَلَى مَعْنَى اللَّامِ، وَمَعْنَى اللَّامِ الِاخْتِصَاصُ. وَقَرَأَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيُّ: فِي يَتَامَى النِّسَاءِ بِيَاءَيْنِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ جِنِّيٍّ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ أَيَامَى، فَأُبْدِلَ مِنَ الْهَمْزَةِ يَاءً، كَمَا قَالُوا: بَاهِلَةُ بْنُ يَعْصُرَ، وَإِنَّمَا هُوَ أَعْصُرُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ:

أَثْنَاكَ أَنَّ أَبَاكَ غَيَّرَ لَوْنَهُ ... كَرُّ اللَّيَالِي وَاخْتِلَافُ الْأَعْصُرِ

وَقَالُوا فِي عَكْسِ ذَلِكَ: قَطَعَ اللَّهُ أَيْدَهُ يُرِيدُونَ يَدَهُ، فَأُبْدِلَ مِنَ الْيَاءِ هَمْزَةً. وَأَيَامَى جَمْعُ أَيِّمٍ عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ، وَهُوَ مِمَّا اخْتَصَّ بِهِ الْمُعْتَلُّ، وَأَصْلُهُ: أَيَايِمُ كَسَيَايِدَ جَمْعُ سَيِّدٍ، قُلِبَتِ اللَّامُ مَوْضِعَ الْعَيْنِ فَجَاءَ أَيَامَى، فَأُبْدِلَ مِنَ الْكَسْرَةِ فَتْحَةً انْقَلَبَتِ الْيَاءُ أَلِفًا لِتَحَرُّكِهَا وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا. وَقَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ كُسِّرَ أَيِّمٍ عَلَى أَيْمَى عَلَى وَزْنِ سَكْرَى، ثُمَّ كُسِّرَ أَيْمَى عَلَى أَيَامَى لَكَانَ وَجَهًا حَسَنًا.

وَمَعْنَى مَا كُتِبَ لَهُنَّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَجَمَاعَةٌ: هُوَ الْمِيرَاثُ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ الصَّدَاقُ، وَالْمُخَاطَبُ بِقَوْلِهِ: لَا تُؤْتُونَهُنَّ أَوْلِيَاءُ الْمَرْأَةِ كَانُوا يَأْخُذُونَ صَدَقَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يُعْطُونَهُنَّ شَيْئًا. وَقِيلَ: أَوْلِيَاءُ الْيَتَامَى كَانُوا يُزَوِّجُونَ الْيَتَامَى اللَّوَاتِي فِي حُجُورِهِنَّ وَلَا يَعْدِلُونَ فِي صَدَقَاتِهِنَّ. وَقُرِئَ: مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُنَّ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ، هَذَا اللَّفْظُ يَحْتَمِلُ الرَّغْبَةَ وَالنَّفْرَةَ فَالْمَعْنَى فِي الرَّغْبَةِ فِي أن تنكحوهن لمالهن أَوْ لِجَمَالِهِنَّ، وَالنَّفْرَةِ وَتَرْغَبُونَ عَنْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ لِقُبْحِهِنَّ فَتُمْسِكُوهُنَّ رَغْبَةً فِي أَمْوَالِهِنَّ. وَالْأَوَّلُ قَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَجَمَاعَةٍ انْتَهَى. وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَأْخُذُ


(١) سورة النساء: ٤/ ١٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>