للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَيْنِ بِإِضْمَارٍ بَعْدَ وَاوِ الْجَمْعِ، وَالْمَعْنَى: أَلَمْ نَجْمَعْ بَيْنَ الِاسْتِحْوَاذِ عَلَيْكُمْ، وَمَنْعِكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ؟ وَنَظِيرُهُ قَوْلُ الْحُطَيْئَةِ:

أَلَمْ أَكُ جَارَكُمْ وَيَكُونَ بَيْنِي ... وَبَيْنَكُمُ الْمَوَدَّةُ وَالْإِخَاءُ

وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَنَمْنَعَكُمْ بِفَتْحِ الْعَيْنِ عَلَى الصَّرْفِ انْتَهَى. يَعْنِي الصَّرْفَ عَنِ التَّشْرِيكِ لِمَا بَعْدَهَا فِي إِعْرَابِ الْفِعْلِ الَّذِي قَبْلَهَا، وَلَيْسَ النَّصْبُ عَلَى الصَّرْفِ مِنَ اصْطِلَاحِ الْبَصْرِيِّينَ. وَقَرَأَ أُبَيٌّ: وَمَنَعْنَاكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَهَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى مَعْنَى التَّقْدِيرِ: لِأَنَّ الْمَعْنَى أَمَا اسْتَحْوَذْنَا عَلَيْكُمْ وَمَنَعْنَاكُمْ كَقَوْلِهِ: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنا «١» . إِذِ الْمَعْنَى: أَمَا شَرَحْنَا لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا.

فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَيْ وَبَيْنَهُمْ وَيُنْصِفُكُمْ مِنْ جَمِيعِهِمْ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا عَطْفَ، وَمَعْنَى بَيْنَكُمْ أَيْ: بَيْنَ الجميع مِنْكُمْ وَمِنْهُمْ، وَغَلَبَ الْخِطَابُ. وَهَذِهِ تَسْلِيَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَأُنْسٌ بِمَا وَعَدَهُمْ بِهِ.

وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا

يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَهُ: عَلِيٌّ

وَابْنُ عَبَّاسٍ.

وَرُوِيَ عَنْ سُبَيْعٍ الْحَضْرَمِيِّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عَلِيَّ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا كَيْفَ ذَلِكَ وَهُمْ يُقَاتِلُونَنَا وَيَظْهَرُونَ عَلَيْنَا أَحْيَانًا؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: مَعْنَى ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَوْمَ الْحُكْمِ.

قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَبِهَذَا قَالَ جَمِيعُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهَذَا ضَعِيفٌ لِعَدَمِ فَائِدَةِ الْخَبَرِ فِيهِ، وَإِنْ أَوْهَمَ صَدْرُ الْكَلَامِ مَعْنَاهُ لِقَوْلِهِ: فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقِيلَ: إِنَّهُ تَعَالَى لَا يَمْحُو بِالْكُفْرِ مِلَّةَ الْإِسْلَامِ وَلَا يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ كَمَا جَاءَ

فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ قَالَ: «فَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ، وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا» .

وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَنْ لَا يَتَوَاصَوْا بِالْبَاطِلِ، وَلَا يَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، وَيَتَقَاعَدُوا عَنِ التَّوْبَةِ، فَيَكُونَ تَسْلِيطُ الْعَدُوِّ عَلَيْهِمْ مِنْ قِبَلِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ «٢» . قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهَذَا بَيِّنٌ جِدًّا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ: حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا. وَذَلِكَ أَنَّ حَتَّى غَايَةٌ، فَيَقْتَضِي ظَاهِرُ الْكَلَامِ أَنَّهُ لَا يُسَلِّطُ عَلَيْهِمْ


(١) سورة الشرح: ٩٤/ ١- ٢.
(٢) سورة الشورى: ٤٢/ ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>