للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَعَجَّبُوا مِنَ اسْتِخْلَافِ اللَّهِ مَنْ يَعْصِيهِ أَوْ مَنْ يعصيان مَنْ يَسْتَخْلِفُهُ فِي أَرْضِهِ. وَقِيلَ: هُوَ اسْتِفْهَامٌ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعْظَامِ، وَالْإِكْبَارِ لِلِاسْتِخْلَافِ وَالْعِصْيَانِ. وَقِيلَ: هُوَ اسْتِفْهَامٌ مَعْنَاهُ التَّقْرِيرُ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ، قَالَ الشَّاعِرُ:

أَلَسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ الْمَطَايَا ... وَأَنْدَى الْعَالَمِينَ بُطُونَ رَاحِ

وَعَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ يَكُونُ عِلْمُهُمْ بِذَلِكَ قَدْ سَبَقَ، إِمَّا بِإِخْبَارٍ مِنَ اللَّهِ، أَوْ بِمُشَاهَدَةٍ فِي اللَّوْحِ، أو يكون ومخلوق غَيْرُهُمْ وَهُمْ مَعْصُومُونَ، أَوْ قَالُوا ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ عَلَى مَنْ سَكَنَ الْأَرْضَ فَأَفْسَدَ قَبْلَ سُكْنَى الْمَلَائِكَةِ، أَوِ اسْتَنْبَطُوا ذَلِكَ مِنْ لَفْظِ خَلِيفَةً، إِذِ الْخَلِيفَةُ مَنْ يَكُونُ نَائِبًا فِي الْحُكْمِ، وَذَلِكَ يَكُونُ عِنْدَ التَّظَالُمِ. وَقِيلَ: هُوَ اسْتِفْهَامٌ مَحْضٌ، قَالَهُ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى، وَقَدَّرَهُ: أَتَجْعَلُ هَذَا الْخَلِيفَةَ عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ تَقَدَّمَ مِنَ الْجِنِّ أَمْ لَا؟ وَفَسَّرَهُ أَبُو الْفَضْلِ التجلي: أَيْ أَمْ تَجْعَلُ مَنْ لَا يُفْسِدُ، وَقَدَّرَهُ غَيْرُهُمَا، وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ، أَمْ تتغير؟ فَعَلَى الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ لَا مُعَادِلَ لِلِاسْتِفْهَامِ، لِأَنَّهُ مَذْهُوبٌ بِهِ مَذْهَبَ التَّعَجُّبِ أَوْ الِاسْتِعْظَامِ أَوِ التَّقْرِيرِ. وَعَلَى الْقَوْلِ الرَّابِعِ يَكُونُ الْمُعَادِلُ مَفْعُولَ أَتَجْعَلُ، وَهُوَ مَنْ يُفْسِدُ.

وَعَلَى الْقَوْلِ الْخَامِسِ تَكُونُ الْمُعَادَلَةُ مِنَ الْجُمْلَةِ الْحَالِيَّةِ الَّتِي هِيَ قوله، ونحن نسبح بحمدك. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: وَيَسْفِكُ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَرَفْعِ الْكَافِ. وَقَرَأَ أبو حياة وابن أبي عبلة:

بصم الفاء. وقرىء: وَيَسْفِكُ مِنْ أَسْفَكُ وَيُسَفِّكُ مَنْ سَفَّكَ مُشَدَّدُ الْفَاءِ. وَقَرَأَ ابْنُ هُرْمُزَ:

وَيَسْفِكُ بِنَصْبِ الْكَافِ، فَمَنْ رَفَعَ الْكَافَ عَطَفَ عَلَى يُفْسِدُ، وَمَنْ نَصَبَ فَقَالَ الَمَهْدَوِيُّ:

هُوَ نَصْبٌ فِي جَوَابِ الِاسْتِفْهَامِ، وَهُوَ تَخْرِيجٌ حَسَنٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَنْصُوبَ فِي جَوَابِ الِاسْتِفْهَامِ أَوْ غَيْرِهِ بَعْدَ الْوَاوِ بِإِضْمَارِ أَنْ يَكُونُ الْمَعْنَى عَلَى الْجَمْعِ، وَلِذَلِكَ تُقَدَّرُ الْوَاوُ بِمَعْنَى مَعَ، فَإِذَا قُلْتَ: أَتَأْتِينَا وَتُحَدِّثَنَا وَنَصَبْتَ، كَانَ الْمَعْنَى عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ أَنْ تَأْتِيَنَا وَتُحَدِّثَنَا، أَيْ وَيَكُونُ مِنْكَ إِتْيَانٌ مَعَ حَدِيثٍ، وكذلك قوله:

أبيت رَيَّانَ الْجُفُونِ مِنَ الْكَرَى ... وَأَبِيتُ مِنْكَ بِلَيْلَةِ الْمَلْسُوعِ

مَعْنَاهُ: أَيَكُونُ مِنْكَ مَبِيتٌ رَيَّانٌ مَعَ مَبِيتِي مِنْكَ بِكَذَا، وَكَذَلِكَ هَذَا يَكُونُ مِنْكَ جَعْلُ مُفْسِدٍ مَعَ سَفْكِ الدِّمَاءِ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَطِيَّةَ: النَّصْبُ بِوَاوِ الصَّرْفِ قَالَ: كَأَنَّهُ قَالَ مَنْ يَجْمَعُ أَنْ يُفْسِدَ وَأَنْ يَسْفِكَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَالنَّصْبُ بِوَاوِ الصَّرْفِ لَيْسَ مِنْ مَذَاهِبِ الْبَصْرِيِّينَ. وَمَعْنَى وَاوِ الصَّرْفِ: أَنَّ الْفِعْلَ كَانَ يَسْتَحِقُّ وَجْهًا مِنَ الْإِعْرَابِ غَيْرَ النَّصْبِ فَيُصْرَفُ بِدُخُولِ الْوَاوِ عَلَيْهِ عَنْ ذَلِكَ الْإِعْرَابِ إِلَى النَّصْبِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَعْلَمَ الَّذِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>