للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُخْلِصِينَ بَلِ الْمَعْنَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أَظْهَرُوا الْإِيمَانَ وَالْتَزَمُوا لَوَازِمَهُ انْتَهَى. قِيلَ: وَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أنّ الكافر لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى الْمُسْلِمِ وِلَايَةً بِوَجْهٍ وَلَدًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَأَنْ لَا يُسْتَعَانَ بِذِمِّيٍّ فِي أَمْرٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ نُصْرَةٌ وَوِلَايَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ «١» وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ تَوْكِيلَهُ فِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ، وَفِي دَفْعِ الْمَالِ إِلَيْهِ مُضَارَبَةً.

أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً أَيْ حُجَّةً ظَاهِرَةً وَاضِحَةً بِمُوَالَاتِكُمُ الْكَافِرِينَ أَوِ الْمُنَافِقِينَ عَلَى قَوْلِ الْقَفَّالِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يَأْخُذُكُمْ إِنْ وَالَيْتُمُ الْكُفَّارَ بِانْتِقَامٍ مِنْهُ، وَلَهُ عَلَيْكُمْ فِي ذَلِكَ الْحُجَّةُ الْوَاضِحَةُ، إِذْ قَدْ بَيَّنَ لَكُمْ أَحْوَالَهُمْ وَنَهَاكُمْ عَنْ مُوَالَاتِهِمْ. وَقِيلَ:

السُّلْطَانُ هُنَا الْقَهْرُ وَالْقُدْرَةُ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يُسَلَّطُ عَلَيْكُمْ بِسَبَبِ اتِّخَاذِكُمِ الْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَالسُّلْطَانَ. قَالَ الْفَرَّاءُ: أُنِّثَ وَذُكِّرَ، وَبَعْضُ الْعَرَبِ يَقُولُ: قَضَتْ بِهِ عَلَيْكَ السُّلْطَانُ، وَقَدْ أَخَذَتْ فُلَانًا السُّلْطَانُ، وَالتَّأْنِيثُ عِنْدَ الْفُصَحَاءِ أَكْثَرُ انْتَهَى. فَمَنْ ذَكَّرَ ذَهَبَ بِهِ إِلَى الْبُرْهَانِ وَالِاحْتِجَاجِ، وَمَنْ أَنَّثَ ذَهَبَ بِهِ إِلَى الْحُجَّةِ، وَإِنَّمَا اخْتِيرَ التَّذْكِيرُ هُنَا فِي الصِّفَةِ وَإِنْ كَانَ التَّأْنِيثُ أَكْثَرَ، لِأَنَّهُ وَقَعَ الْوَصْفُ فَاصِلَةً، فَهَذَا هُوَ الْمُرَجِّحُ لِلتَّذْكِيرِ عَلَى التَّأْنِيثِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالتَّذْكِيرُ أَشْهَرُ وَهِيَ لُغَةُ الْقُرْآنِ حَيْثُ وَقَعَ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ الْفَرَّاءُ. وَإِذَا سُمِّيَ بِهِ صَاحِبُ الْأَمْرِ فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ وَالتَّقْدِيرُ: ذُو السُّلْطَانِ، أَيْ: ذُو الْحُجَّةِ عَلَى النَّاسِ إِذْ هُوَ مُدَبِّرُهُمْ وَالنَّاظِرُ فِي مَصَالِحِهِمْ وَمَنَافِعِهِمْ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لَا تَتَشَبَّهُوا بِالْمُنَافِقِينَ فِي اتِّخَاذِهِمُ الْيَهُودَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَعْدَاءِ الْإِسْلَامِ أَوْلِيَاءَ سُلْطَانٌ حُجَّةٌ بَيِّنَةٌ يَعْنِي: أَنَّ مُوَالَاةَ الْكَافِرِينَ بَيِّنَةٌ عَلَى المنافقين. وعن صعصعة بْنِ صَرْحَانِ أَنَّهُ قَالَ لِابْنِ أَخٍ لَهُ خَالِصِ الْمُؤْمِنَ وَخَالِقِ الْكَافِرِ وَالْفَاجِرَ: فَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرْضَى مِنْكَ بِالْخُلُقِ الْحَسَنِ، وَإِنَّهُ يَحِقُّ عَلَيْكَ أَنْ تُخَالِصَ الْمُؤْمِنَ.

إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الدَّرْكُ لِأَهْلِ النَّارِ كَالدَّرَجِ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ، إِلَّا أَنَّ الدَّرَجَاتِ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، وَالدِّرْكَاتُ بَعْضُهَا أَسْفَلَ مِنْ بَعْضٍ انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الدَّرَكَاتُ الطَّبَقَاتُ: وَأَصْلُهَا مِنَ الْإِدْرَاكِ أَيْ: هِيَ مُتَدَارِكَةٌ مُتَلَاحِقَةٌ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ: هِيَ مِنْ تَوَابِيتَ مِنْ حَدِيدٍ مُتَعَلِّقَةٍ فِي قَعْرِ جَهَنَّمَ، وَالنَّارُ سَبْعُ دَرَكَاتٍ، قِيلَ: أَوَّلُهَا جَهَنَّمُ، ثُمَّ لَظًى، ثُمَّ الْحُطَمَةُ، ثُمَّ السَّعِيرُ، ثُمَّ سَقَرُ، ثُمَّ الْجَحِيمُ، ثُمَّ الْهَاوِيَةُ. وَقَدْ تُسَمَّى جَمِيعُهَا بِاسْمِ الطَّبَقَةِ الْأُولَى، وَبَعْضُ الطَّبَقَاتِ باسم


(١) سورة آل عمران: ٣/ ١١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>