للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَؤُلَاءِ، وَهُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ؟ فَقَالَ سَرْجِسُ: أَنَا، فَأُلْقِيَ عَلَيْهِ شَبَهُ عِيسَى.

وَقِيلَ: أُلْقِيَ شَبَهُهُ عَلَى الْجَمِيعِ، فَلَمَّا أُخْرِجُوا نَقَصَ وَاحِدٌ مِنَ الْعِدَّةِ، فَأَخَذُوا وَاحِدًا مِمَّنْ عَلَيْهِ الشَّبَهُ فَصُلِبَ. وَرُوِيَ أَنَّ الْمَلِكَ وَالْمُتَنَاوِلِينَ لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِمْ أَمْرُ عِيسَى لِمَا رَأَوْهُ مِنْ نُقْصَانِ الْعِدَّةِ وَاخْتِلَاطِ الْأَمْرِ، فَصُلِبَ ذَلِكَ الشَّخْصُ، وَأُبْعِدَ النَّاسُ عَنْ خَشَبَتِهِ أَيَّامًا حَتَّى تَغَيَّرَ، وَلَمْ تَثْبُتْ لَهُ صِفَةٌ، وَحِينَئِذٍ دَنَا النَّاسُ مِنْهُ، وَمَضَى الْحَوَارِيُّونَ يَتَحَدَّثُونَ فِي الْآفَاقِ إِنَّ عِيسَى صُلِبَ.

وَقِيلَ: لَمْ يُلْقَ شَبَهُهُ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنَّمَا مَعْنَى: وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ، أَيْ شَبَّهَ عَلَيْهِمُ الْمَلِكُ الْمُمَخْرِقُ لِيَسْتَدِيمَ بِمَا نَقَصَ وَاحِدٌ مِنَ الْعِدَّةِ، وَكَانَ بَادَرَ بِصَلْبِ وَاحِدٍ وَأَبْعَدَ النَّاسِ عَنْهُ، وَقَالَ: هَذَا عِيسَى، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَقَدَ فِي قَوْلِهِ: وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ. أَمَّا أَنْ يُلْقَى شَبَهُهُ عَلَى شَخْصٍ، فَلَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُعْتَمَدَ عَلَيْهِ.

وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيمَنْ أُلْقِيَ عَلَيْهِ الشَّبَهُ اخْتِلَافًا كَثِيرًا. فَقِيلَ: الْيَهُودِيُّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ.

وَقِيلَ: خَلِيفَةُ قَيْصَرَ الَّذِي كَانَ مَحْبُوسًا عِنْدَهُ. وَقِيلَ: وَاحِدٌ مِنَ الْيَهُودِ. وَقِيلَ: دَخَلَ لِيَقْتُلَهُ.

وَقِيلَ: رَقِيبٌ وَكَلَتْهُ بِهِ الْيَهُودُ. وَقِيلَ: أُلْقِيَ الشَّبَهُ عَلَى كُلِّ الْحَوَارِيِّينَ. وَقِيلَ: أُلْقِيَ الشَّبَهُ عَلَى الْوَجْهِ دُونَ الْبَدَنِ، وَهَذَا الْوُثُوقُ مِمَّا يَدْفَعُ الْوُثُوقَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ:

إِنْ جَازَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُلْقِي شَبَهَ إِنْسَانٍ عَلَى إِنْسَانٍ آخَرَ، فَهَذَا يَفْتَحُ بَابَ السَّفْسَطَةِ.

وَقِيلَ: سَبَبُ اجْتِمَاعِ الْيَهُودِ عَلَى قَتْلِهِ هُوَ أَنَّ رَهْطًا مِنْهُمْ سَبُّوهُ وَسَبُّوا أُمَّهُ فَدَعَا عَلَيْهِمْ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي، وَبِكَلِمَتِكَ خَلَقْتَنِي، اللَّهُمَّ الْعَنْ مَنْ سَبَّنِي وَسَبَّ وَالِدَتِي» فَمَسَخَ اللَّهُ مَنْ سَبَّهُمَا قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ، فَاجْتَمَعَتِ الْيَهُودُ على قتله.

وشبه مُسْنَدٌ إِلَى الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ كَقَوْلِهِ: خُيِّلَ إِلَيْهِ، وَلَكِنْ وَقَعَ لَهُمُ التَّشْبِيهُ. وَيَجُوزُ أَنْ يُسْنَدَ إِلَى ضَمِيرِ الْمَقْتُولِ الدَّالِّ عَلَيْهِ:

إِنَّا قَتَلْنَا أَيْ: وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ مَنْ قَتَلُوهُ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرَ الْمَسِيحِ، لِأَنَّ الْمَسِيحَ مُشَبَّهٌ بِهِ لَا مُشَبَّهٌ.

وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ اخْتَلَفَ فِيهِ الْيَهُودُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يُقْتَلْ وَلَمْ يُصْلَبْ، الْوَجْهُ وَجْهُ عِيسَى، وَالْجَسَدُ جَسَدُ غَيْرِهِ. وَقِيلَ:

أَدْخَلُوا عَلَيْهِ وَاحِدًا لِيَقْتُلَهُ، فَأُلْقِيَ الشَّبَهُ عَلَيْهِ فَصُلِبَ، وَنَقَصَ مِنَ الْعَدَدِ وَاحِدٌ. وَكَانُوا عَلِمُوا عَدَدَ الْحَوَارِيِّينَ فَقَالُوا: إِنْ كَانَ الْمَصْلُوبُ صَاحِبَنَا فَأَيْنَ عِيسَى؟ وَإِنْ كَانَ عِيسَى فَأَيْنَ صَاحِبُنَا؟ وَقِيلَ: قَالَ الْعَوَامُّ: قَتَلْنَا عِيسَى، وَقَالَ مَنْ عَايَنَ: رَفَعَهُ إِلَى السَّمَاءِ مَا قُتِلَ وَلَا صُلِبَ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالْيَقِينُ الَّذِي صَحَّ فِيهِ نَقْلُ الْكَافَّةِ عَنْ حَوَاسِّهَا هو أنّ شخصا ب، وَهَلْ هُوَ عِيسَى أَمْ لَا؟ فَلَيْسَ هُوَ مِنْ عِلْمِ الْحَوَّاسِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَقَعْ فِي ذَلِكَ نَقْلٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>