وَمَدْلُولًا وَكَانَ أَمْرُهَا أَمْرًا مُشْكِلًا، رُوِيَ عَنْهُ فِي أَخْبَارِهَا رِوَايَاتٌ،
وَفِي حَدِيثِهِ أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ الَّتِي نَزَلَتْ فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ» .
وَقَدْ رَوَى أَبُو سَلَمَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الَّتِي أُنْزِلَتْ فِي الصَّيْفِ هِيَ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً»
وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا يَسْتَفْتُونَكَ لِأَنَّ الْبَرَاءَ قَالَ: هِيَ آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْفِيكَ مِنْهَا آيَةُ الصَّيْفِ بَيَانٌ فِيهِ كِفَايَةٌ وَجَلَاءٌ. وَلَا أَدْرِي مَا الَّذِي أَشْكَلَ مِنْهَا عَلَى الْفَارُوقِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ دَلَالَةُ اللَّفْظِ اضْطَرَبَتْ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ: الْكَلَالَةُ الْمَيِّتُ نَفْسُهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: الْكَلَالَةُ الْمَالُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْخِلَافِ انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَدْ خُتِمَتْ هَذِهِ السُّورَةُ بِهَذِهِ الْآيَةِ كَمَا بُدِئَتْ أَوَّلًا بِأَحْكَامِ الْأَمْوَالِ فِي الْإِرْثِ وَغَيْرِهِ، لِيَتَشَاكَلَ الْمَبْدَأُ وَالْمَقْطَعُ، وَكَثِيرًا مَا وَقَعَ ذَلِكَ فِي السُّورِ. رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ: «أَلَا إِنَّ آيَةَ أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ أَنْزَلَهَا اللَّهُ فِي الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ، وَالْآيَةَ الثَّانِيَةَ أَنْزَلَهَا اللَّهُ فِي الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَالْأُخْوَةِ مِنَ الْأُمِّ، وَالْآيَةُ الَّتِي خَتَمَ بِهَا سُورَةَ الْأَنْفَالِ أَنْزَلَهَا فِي أُولِي الْأَرْحَامِ» وفي الكلالة متعلق بيفتيكم عَلَى طَرِيقِ إِعْمَالِ الثَّانِي.
إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ مَا تَرَكَ الْمُرَادُ بِالْوَلَدِ الِابْنُ، وَهُوَ اسْمٌ مُشْتَرَكٌ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، لِأَنَّ الِابْنَ يُسْقِطُ الْأُخْتَ، وَلَا تُسْقِطُهَا الْبِنْتُ إِلَّا فِي مَذْهَبِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَالْمُرَادُ بِالْأُخْتِ الشَّقِيقَةُ، أَوِ الَّتِي لِأَبٍ دُونَ الَّتِي لِأُمٍّ، لِأَنَّ اللَّهَ فَرَضَ لَهَا النِّصْفَ، وَجَعَلَ أَخَاهَا عَصَبَةً. وَقَالَ: للذكر مثل حظ الأنثيين. وَأَمَّا الْأُخْتُ لِلْأُمِّ فَلَهَا السُّدُسُ فِي آيَةِ الْمَوَارِيثِ، سَوَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَخِيهَا. وَارْتَفَعَ امْرُؤٌ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَهُ، وَالْجُمْلَةُ مِنْ قَوْلِهِ: لَيْسَ له ولد، في موضع الصفة لا مرؤ، أَيْ: إِنْ هَلَكَ امْرُؤٌ غَيْرُ ذِي وَلَدٍ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْفَصْلِ بَيْنَ النَّعْتِ وَالْمَنْعُوتِ بِالْجُمْلَةِ الْمُفَسَّرَةِ فِي بَابِ الِاشْتِغَالِ، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ زَيْدًا ضَرَبْتُهُ الْعَاقِلَ. وَكُلَّمَا جَازَ الْفَصْلُ بِالْخَبَرِ جَازَ بِالْمُفَسِّرِ، وَمَنَعَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنْ يَكُونَ قوله: ليس له ولد، جُمْلَةً حَالِيَّةً مِنَ الضَّمِيرِ فِي هَلَكَ، فَقَالَ: وَمَحَلُّ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ الرَّفْعُ عَلَى الصِّفَةِ، لَا النَّصْبُ عَلَى الْحَالِ. وَأَجَازَ أَبُو الْبَقَاءِ فَقَالَ:
لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ الْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ فِي هَلَكَ، وَلَهُ أُخْتٌ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْضًا.
وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسْنَدَ إِلَيْهِ حَقِيقَةً إِنَّمَا هُوَ الِاسْمُ الظَّاهِرُ الْمَعْمُولُ لِلْفِعْلِ الْمَحْذُوفِ، فَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّقْيِيدُ لَهُ، أَمَّا الضَّمِيرُ فَإِنَّهُ فِي جُمْلَةٍ مفسرة لَا مَوْضِعَ لَهَا مِنَ الْإِعْرَابِ، فَصَارَتْ كَالْمُؤَكِّدَةِ لِمَا سَبَقَ. وَإِذَا تَجَاذَبَ الِاتْبَاعَ وَالتَّقْيِيدَ مُؤَكِّدٌ أَوْ مُؤَكَّدٌ بِالْحُكْمِ، إِنَّمَا هُوَ لِلْمُؤَكَّدِ، إِذْ هُوَ مُعْتَمَدُ الْإِسْنَادِ الْأَصْلِيِّ. فَعَلَى هَذَا لَوْ قُلْتَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute