رَأَيْنَا مَا رَأَى الْبُصَرَاءُ مِنَّا ... فَآلَيْنَا عَلَيْهَا أَنْ تُبَاعَا
أَيْ أَنْ لَا تُبَاعَا، وَحَكَى أَبُو عُبَيْدَةَ قَالَ: حَدَّثْتُ الْكِسَائِيَّ بِحَدِيثٍ رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ فِيهِ:
«لَا يَدْعُوَنَّ أَحَدُكُمْ عَلَى وَلَدِهِ أَنْ يُوَافِقَ مِنَ اللَّهِ إِجَابَةً» فَاسْتَحْسَنَهُ أَيْ لِئَلَّا يُوَافِقَ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ «إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السموات وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا» أَيْ لِأَنْ لَا تَزُولَا وَرَجَّحَ أَبُو عَلِيٍّ قَوْلَ الْمُبَرِّدِ بِأَنْ قَالَ حَذْفُ الْمُضَافِ أَسْوَغُ وَأَشْبَعُ مِنْ حَذْفِ لَا. وَقِيلَ أَنْ تَضِلُّوا مَفْعُولٌ بِهِ أَيْ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الضَّلَالَةَ أَنْ تَضِلُّوا فِيهَا. وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ يَعْلَمُ مَصَالِحَ الْعِبَادِ فِي الْمَبْدَأِ وَالْمَعَادِ، وَفِيمَا كَلَّفَهُمْ بِهِ مِنَ الْأَحْكَامِ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرازي: في هذه السُّورَةِ لَطِيفَةٌ عَجِيبَةٌ وَهِيَ أَنَّ أَوَّلَهَا مُشْتَمِلٌ عَلَى كَمَالِ تَنَزُّهِ اللَّهِ تَعَالَى وَسَعَةِ قُدْرَتِهِ، وَآخِرُهَا مُشْتَمِلٌ عَلَى بَيَانِ كَمَالِ الْعِلْمِ، وَهَذَانِ الْوَصْفَانِ بِهِمَا تَثْبُتُ الرُّبُوبِيَّةُ وَالْإِلَهِيَّةُ وَالْجَلَالُ وَالْعِزَّةُ، وَبِهِمَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مُنْقَادًا لِلتَّكَالِيفِ.
وَتَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ أَنْوَاعًا مِنَ الْفَصَاحَةِ وَالْبَيَانِ وَالْبَدِيعِ. فَمِنْ ذَلِكَ الطِّبَاقُ فِي:
حَرَّمْنَا وَأُحِلَّتْ، وَفِي: فَآمِنُوا وَإِنْ تَكْفُرُوا. وَالتَّكْرَارُ فِي: وَمَا قَتَلُوهُ، وَفِي: وَأَوْحَيْنَا، وَفِي:
ورسلا، وفي: يشهد ويشهدون، وَفِي: كَفَرُوا، وَفِي: مَرْيَمَ، وَفِي: اسْمِ اللَّهِ. وَالِالْتِفَاتُ فِي: فَسَوْفَ نُؤْتِيهِمْ، وَفِي: فَسَنَحْشُرُهُمْ وَمَا بَعْدَ مَا فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ بِالنُّونِ. وَالتَّشْبِيهُ فِي:
كَمَا أَوْحَيْنَا. وَالِاسْتِعَارَةُ فِي: الرَّاسِخُونَ وَهِيَ فِي الْأَجْرَامِ اسْتُعِيرَتْ لِلثُّبُوتِ فِي الْعِلْمِ وَالتَّمَكُّنِ فِيهِ، وَفِي: سَبِيلِ اللَّهِ، وَفِي: يَشْهَدُ، وَفِي: طَرِيقًا، وَفِي: لَا تَغْلُوا وَالْغُلُوُّ حَقِيقَةً فِي ارْتِفَاعِ السِّعْرِ، وَفِي: وَكِيلًا اسْتُعِيرَ لِإِحَاطَةِ عِلْمِ اللَّهِ بِهِمْ، وَفِي: فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ اسْتُعِيرَ لِلْمُجَازَاةِ. وَالتَّجْنِيسُ الْمُمَاثِلُ فِي: يَسْتَفْتُونَكَ ويفتيكم. وَالتَّفْصِيلُ فِي: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا. وَالْحَذْفُ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute