للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَبْقَلَتْ، وَأَغَدَّ الْبَعِيرُ، وَأَلْبَنَتِ الشَّاةُ، وَغَيْرُهَا، وَأَجْرَتِ الْكَلْبَةُ، وَأَصْرَمَ النَّخْلُ، وَأَتْلَتِ النَّاقَةُ، وَأَحْصَدَ الزَّرْعُ، وَأَجْرَبَ الرَّجُلُ، وَأَنْجَبَتِ الْمَرْأَةُ. وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الصَّيْدَ يُوصَفُ بِكَوْنِهِ مُحِلًّا بِاعْتِبَارِ أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ مِنْ كَوْنِهِ بَلَغَ الْحِلَّ، أَوْ صَارَ ذَا حِلٍّ، اتَّضَحَ كَوْنُهُ اسْتِثْنَاءً مِنِ اسْتِثْنَاءٍ، إِذْ لَا يمكن ذلك لتناقض الْحُكْمِ. لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنَ الْمُحَلَّلِ مُحَرَّمٌ، وَالْمُسْتَثْنَى مِنَ الْمُحَرَّمِ مُحَلَّلٌ. بَلْ إِنَّ كَانَ الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ: بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ، الْأَنْعَامُ أَنْفُسُهَا، فَيَكُونُ اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا. وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الظِّبَاءَ وَبَقَرَ الْوَحْشِ وَحُمُرَهُ وَنَحْوَهَا، فَيَكُونَ اسْتِثْنَاءً مُتَّصِلًا عَلَى أَحَدِ تَفْسِيرَيِ الْمُحِلِّ، اسْتَثْنَى الصَّيْدَ الَّذِي بلغ الحل في حال كَوْنِهِمْ مُحْرِمِينَ.

(فَإِنْ قُلْتَ) : مَا فَائِدَةٌ الِاسْتِثْنَاءِ بِقَيْدِ بُلُوغِ الْحِلِّ وَالصَّيْدِ الَّذِي فِي الْحَرَمِ لَا يَحِلُّ أَيْضًا؟

(قُلْتُ) : الصَّيْدُ الَّذِي فِي الْحَرَمِ لَا يَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ وَلَا لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ، وَإِنَّمَا يَحِلُّ لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ الصَّيْدُ الَّذِي فِي الْحِلِّ، فَنَبَّهَ بِأَنَّهُ إِذَا كَانَ الصَّيْدُ الَّذِي فِي الْحِلِّ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ، وَإِنْ كَانَ حَلَالًا لِغَيْرِهِ، فَأَحْرَى أَنْ يَحْرُمَ عَلَيْهِ الصَّيْدُ الَّذِي هُوَ بِالْحَرَمِ. وَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ يَكُونُ قَوْلُهُ: إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ، إِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ مَا جَاءَ بَعْدَهُ مِنَ قوله: حرمت عليكم الميتة الْآيَةَ، اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا، إِذْ لَا يَخْتَصُّ الْمَيْتَةَ وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا بِالظِّبَاءِ وَحُمُرِ الْوَحْشِ وَبَقَرِهِ وَنَحْوِهَا، فَيَصِيرُ لَكِنْ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ أَيْ: تَحْرِيمُهُ فَهُوَ مُحَرَّمٌ. وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ الْأَنْعَامَ وَالْوُحُوشَ، فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءَانِ رَاجِعَيْنِ إِلَى الْمَجْمُوعِ عَلَى التَّفْصِيلِ، فَيَرْجِعُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ إِلَى ثَمَانِيَةِ الْأَزْوَاجِ، وَيَرْجِعُ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ إِلَى الْوُحُوشِ، إِذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي اسْتِثْنَاءً مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ الْأَوَّلِ. وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ، وَأَمْكَنَ رُجُوعُهُ إِلَى الْأَوَّلِ بِوَجْهٍ مَا جَازَ. وَقَدْ نَصَّ النَّحْوِيُّونَ عَلَى أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُمْكِنِ اسْتِثْنَاءُ بَعْضِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ مِنْ بَعْضٍ كَانَتْ كُلُّهَا مُسْتَثْنَيَاتٍ مِنَ الِاسْمِ الْأَوَّلِ نَحْوَ قَوْلِكَ: قَامَ الْقَوْمُ إِلَّا زَيْدًا، إِلَّا عَمْرًا، إِلَّا بَكْرًا (فَإِنْ قُلْتَ) : مَا ذَكَرْتَهُ مِنْ هَذَا التَّخْرِيجِ الْغَرِيبِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُحِلُّ مِنْ صِفَةِ الصَّيْدِ، لَا مِنْ صِفَةِ النَّاسِ، وَلَا مِنْ صِفَةِ الْفَاعِلِ الْمَحْذُوفِ، يُعَكِّرُ عَلَيْهِ كَوْنُهُ كُتِبَ فِي رَقْمِ الْمُصْحَفِ بِالْيَاءِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مِنْ صِفَاتِ النَّاسِ، إِذْ لَوْ كَانَ مِنْ صِفَةِ الصَّيْدِ لَمْ يُكْتَبْ بِالْيَاءِ، وَبِكَوْنِ الْفَرَّاءِ وَأَصْحَابِهِ وَقَفُوا عَلَيْهِ بِالْيَاءِ يَأْبَى ذَلِكَ. (قُلْتُ) : لَا يُعَكِّرُ عَلَى هَذَا التَّخْرِيجِ لِأَنَّهُمْ كَتَبُوا كَثِيرًا رَسْمَ الْمُصْحَفِ عَلَى مَا يُخَالِفُ النُّطْقَ نَحْوَ: بِأَيْيدٍ بِيَاءَيْنِ بَعْدَ الْأَلِفِ، وَكَتْبُهُمْ أُولَئِكَ بِوَاوٍ بَعْدَ الْأَلِفِ، وَبِنَقْصِهِمْ مِنْهُ أَلِفًا. وَكِتَابَتُهُمُ الصَّلِحَتِ وَنَحْوِهِ بِإِسْقَاطِ الْأَلِفَيْنِ، وَهَذَا كَثِيرٌ فِي الرَّسْمِ. وَأَمَّا وَقْفُهُمْ عَلَيْهِ بِالْيَاءِ فَلَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُ لَا يُوقَفُ عَلَى الْمُضَافِ دُونَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا قَصَدُوا بِذَلِكَ الِاخْتِبَارَ أَوْ يَنْقَطِعُ النَّفَسُ، فَوَقَفُوا عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>