فُلَانٌ أَرَدْنَا بِهِ كَذَا وَكَذَا فَأَخْرِجِ الْحَقَّ فِيهِ، وَيَضْرِبُ صَاحِبُ الْقِدَاحِ فَمَا خَرَجَ عُمِلَ بِهِ، فَإِنْ خَرَجَ لَا أَخَّرُوهُ عَامَهُمْ حَتَّى يَأْتُوا بِهِ مَرَّةً أُخْرَى، يَنْتَهُونَ فِي كُلِّ أُمُورِهِمْ إِلَى مَا خَرَجَتْ بِهِ الْقِدَاحُ.
الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِيهِ لِلْعَهْدِ وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ قَالَهُ:
مُجَاهِدٌ، وَابْنُ زَيْدٍ. وَهُوَ يَوْمُ نُزُولِهَا بَعْدَ الْعَصْرِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَوْقِفِ عَلَى نَاقَتِهِ، وَلَيْسَ فِي الْمَوْقِفِ مُشْرِكٌ. وَقِيلَ: اليوم الذي دخل فيه الرسول صلى الله عليه وَسَلَّمَ مَكَّةَ لِثَمَانٍ بَقِينَ مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ تِسْعٍ. وَقِيلَ: سَنَةَ ثَمَانٍ، وَنَادَى مُنَادِيهِ بِالْأَمَانِ لِمَنْ لَفَظَ بِشَهَادَةِ الْإِسْلَامِ، وَلِمَنْ وَضَعَ السِّلَاحَ، وَلِمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: لَمْ يُرِدْ يَوْمًا بِعَيْنِهِ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى: الْآنَ يَئِسُوا، كَمَا تَقُولُ: أَنَا الْيَوْمَ قَدْ كَبِرْتُ انْتَهَى. وَاتَّبَعَ الزَّمَخْشَرِيُّ الزَّجَّاجَ فَقَالَ: الْيَوْمَ لَمْ يُرِدْ بِهِ يَوْمًا بِعَيْنِهِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الزَّمَانَ الْحَاضِرَ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ وَيُدَانِيهِ مِنَ الْأَزْمِنَةِ الْمَاضِيَةِ وَالْآتِيَةِ، كَقَوْلِكَ: كُنْتَ بِالْأَمْسِ شائبا وَأَنْتَ الْيَوْمَ أَشْيَبُ، فَلَا يُرِيدُ بِالْأَمْسِ الَّذِي قَبْلَ يَوْمِكَ، وَلَا بِالْيَوْمِ يَوْمَكَ. وَنَحْوُهُ الْآنَ فِي قَوْلِهِ:
الْآنَ لَمَّا ابْيَضَّ مَسْرُبَتِي ... وَعَضَضْتُ مِنْ نَابَى عَلَى جَدَمِ
انْتَهَى.
وَالَّذِينَ كَفَرُوا: مشركوا الْعَرَبِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالسُّدِّيُّ، وَعَطَاءٌ: أَيِسُوا مِنْ أَنْ تَرْجِعُوا إِلَى دِينِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ظُهُورُ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، وَظُهُورُ دينه، يقتضي أن يئس الْكُفَّارِ عَنِ الرُّجُوعِ إِلَى دِينِهِمْ قَدْ كَانَ وَقَعَ مُنْذُ زَمَانٍ، وَإِنَّمَا هَذَا الْيَأْسُ عِنْدِي مِنِ اضْمِحْلَالِ أَمْرِ الْإِسْلَامِ وَفَسَادِ جَمْعِهِ، لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ كَانَ يَتَرَجَّاهُ مَنْ بَقِيَ مِنَ الْكُفَّارِ. أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِ أَخِي صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ فِي يَوْمِ هَوَازِنَ حِينَ انْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ فَظَنَّهَا هَزِيمَةً. أَلَا بَطَلَ السِّحْرُ الْيَوْمَ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: يَئِسُوا مِنْهُ أَنْ يُبْطِلُوهُ وَأَنْ يَرْجِعُوا مُحَلِّلِينَ لِهَذِهِ الْخَبَائِثِ بعد ما حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ. وَقِيلَ: يَئِسُوا مِنْ دِينِكُمْ أَنْ يَغْلِبُوهُ لِأَنَّ اللَّهَ وَفَّى بِوَعْدِهِ مِنْ إِظْهَارِهِ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ انْتَهَى. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَيِسَ مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ، وَرُوِيَتْ عَنْ أَبِي عَمْرٍو.
فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ قَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: فَلَا تَخْشَوْهُمْ أَنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ. وَقَالَ ابْنُ السَّائِبِ: فَلَا تَخْشَوْهُمْ أَنْ يَظْهَرُوا عَلَى دِينِكُمْ. وَقِيلَ: فَلَا تَخْشَوْا عَاقِبَتَهُمْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ نَهَى عَنْ خَشْيَتِهِمْ إِيَّاهُمْ، وَأَنَّهُمْ لَا يَخْشَوْنَ إِلَّا اللَّهَ تَعَالَى.
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ يَحْتَمِلُ الْيَوْمَ الْمَعَانِيَ الَّتِي قِيلَتْ فِي قَوْلِهِ: الْيَوْمَ يَئِسَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute