إِذَا اقْتَرَنَتْ بِهِ قَرِينَةٌ فَإِنَّ الْأَكْثَرَ فِي كَلَامِهِمْ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ دَاخِلٍ، فَإِذَا عُرِّيَ مِنَ الْقَرِينَةِ فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الْأَكْثَرِ. وَأَيْضًا فَإِذَا قُلْتَ: اشْتَرَيْتُ الْمَكَانَ إِلَى الشَّجَرَةِ فَمَا بَعْدَ إِلَى هُوَ دَاخِلُ الْمَوْضِعِ الَّذِي انْتَهَى إِلَيْهِ الْمَكَانُ الْمُشْتَرَى، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الشَّجَرَةُ مِنَ الْمَكَانِ الْمُشْتَرَى، لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَنْتَهِي مَا بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يُتَجَوَّزَ، فَيُجْعَلُ مَا قَرُبَ مِنَ الِانْتِهَاءِ انْتِهَاءً. فَإِذَا لَمْ يُتَصَوَّرْ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا إِلَّا بِمَجَازٍ، وَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ، لِأَنَّهُ لَا يُحْمَلُ عَلَى الْمَجَازِ مَا أَمْكَنَتِ الْحَقِيقَةُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ثَمَّ قَرِينَةٌ مُرَجِّحَةٌ الْمَجَازَ عَلَى الْحَقِيقَةِ. فَقَوْلُ الزَّمَخْشَرِيِّ: عِنْدَ انْتِفَاءِ قَرِينَةِ الدُّخُولِ أَوِ الْخُرُوجِ، لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، مُخَالِفٌ لِنَقْلِ أَصْحَابِنَا، إِذْ ذَكَرُوا أَنَّ النَّحْوِيِّينَ عَلَى مَذْهَبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الدُّخُولُ، وَالْآخَرُ: الْخُرُوجُ. وَهُوَ الَّذِي صَحَّحُوهُ. وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ يُتَوَقَّفُ، وَيَكُونُ مِنَ الْمُجْمَلِ حَتَّى يَتَّضِحَ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ مِنْ خَارِجٍ عَنِ الْكَلَامِ. وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا يَكُونُ مِنَ الْمُبَيَّنِ، فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ خَارِجٍ فِي بَيَانِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: تَحْرِيرُ الْعِبَارَةِ فِي هَذَا الْمَعْنَى أَنْ يُقَالَ: إِذَا كَانَ مَا بَعْدَ إِلَى لَيْسَ مِمَّا قَبْلَهَا فَالْحَدُّ أَوَّلُ الْمَذْكُورِ بَعْدَهَا، فَإِذَا كَانَ مَا بَعْدَهَا مِنْ جُمْلَةِ مَا قَبْلَهَا فَالِاحْتِيَاطُ يُعْطِي أَنَّ الْحَدَّ آخِرُ الْمَذْكُورِ بَعْدَهَا، وَلِذَلِكَ يَتَرَجَّحُ دُخُولُ الْمِرْفَقَيْنِ فِي الْغَسْلِ. فَالرِّوَايَتَانِ مَحْفُوظَتَانِ عَنْ مَالِكٍ. رَوَى أَشْهَبُ عَنْهُ: أَنَّهُمَا غَيْرُ دَاخِلَتَيْنِ، وَرَوَى غَيْرُهُ أَنَّهُمَا دَاخِلَتَانِ انْتَهَى. وَهَذَا التَّقْسِيمُ ذَكَرَهُ عَبْدُ الدَّائِمِ الْقَيْرَوَانِيُّ فَقَالَ:
إِنْ لَمْ يَكُنْ مَا بَعْدَهَا مِنْ جِنْسِ مَا قَبْلَهَا دَخَلَ فِي الْحُكْمِ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوُضُوءَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ، لِأَنَّهُ أَمَرَ بِالْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ، فَالْآتِي بِهَا دُونَهُ تَارِكٌ لِلْمَأْمُورِ، وَتَارِكُ الْمَأْمُورِ يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ. وَأَيْضًا فَقَدْ بَيَّنَ أَنَّهُ مَتَى عَدِمَ الْوَضُوءَ انْتَقَلَ إِلَى التَّيَمُّمِ، فَدَلَّ عَلَى اشْتِرَاطِهِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَوَّلَ فُرُوضِ الْوُضُوءِ هُوَ غَسْلُ الْوَجْهِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: النِّيَّةُ أَوَّلُهَا. وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ: تَجِبُ التَّسْمِيَةُ فِي أَوَّلِ الْوُضُوءِ، فَإِنْ تَرَكَهَا عَمْدًا بَطَلَ وَضُوءُهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
يَجِبُ تَرْكُ الْكَلَامِ عَلَى الْوُضُوءِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي هَذِهِ الْمَأْمُورِ بِهَا هُوَ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ. وَالظَّاهِرُ وُجُوبُ تَعْمِيمِ الْوَجْهِ بِالْغَسْلِ بَدَأْتَ بِغَسْلِ أَيِّ مَوْضِعٍ مِنْهُ. وَالظَّاهِرُ وُجُوبُ غَسْلِ الْبَيَاضِ الَّذِي بَيْنَ الْعِذَارِ وَالْأُذُنِ، وَبِهِ قَالَ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَغَيْرُهُ: لَا يَجِبُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا تَحْتَ اللِّحْيَةِ الْخَفِيفَةِ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ وَإِنَّ مَا اسْتَرْسَلَ مِنَ الشَّعْرِ تَحْتَ الذَّقْنِ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالْمُزَنِيُّ: يَجِبُ. وَعَنِ الشَّافِعِيِّ الْقَوْلَانِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute