للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّأْسُ وَالرِّجْلُ آلَتَيْنِ لِمَسْحِ تِلْكَ الْيَدِ، وَيَكُونُ الْفَرْضُ إِذْ ذَاكَ لَيْسَ مَسْحَ الرَّأْسِ وَالْأَرْجُلِ، بَلِ الْفَرْضُ مَسْحُ تِلْكَ الْيَدِ بِالرَّأْسِ وَالرِّجْلِ، وَيَكُونُ فِي الْيَدِ فَرْضَانِ: أَحَدُهُمَا: غَسْلُ جَمِيعِهَا إِلَى الْمِرْفَقِ، وَالْآخَرُ: مَسْحُ بَلَلِهَا بِالرَّأْسِ وَالْأَرْجُلِ. وَعَلَى مَنْ ذَهَبَ إِلَى التَّبْعِيضِ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ التَّبْعِيضُ فِي قَوْلِهِ فِي قِصَّةِ التَّيَمُّمِ: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ «١» أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى مَسْحِ بَعْضِ الْوَجْهِ وَبَعْضِ الْيَدِ، وَلَا قَائِلَ بِهِ. وَعَلَى مَنْ جَعَلَ الْبَاءَ آلَةً يَلْزَمُ أَيْضًا ذَلِكَ، وَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُورُ بِهِ فِي التَّيَمُّمِ هُوَ مَسْحُ الصَّعِيدِ بِجُزْءٍ مِنَ الْوَجْهِ وَالْيَدِ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْغَسْلِ وَالْمَسْحِ يَقَعُ الِامْتِثَالُ فِيهِ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، وتثليث المعسول سُنَّةٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ: لَيْسَ بِسُنَّةٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: بِتَثْلِيثِ الْمَسْحِ. وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ، وَابْنِ جُبَيْرٍ، وَعَطَاءٍ مِثْلُهُ. وَعَنِ ابْنِ سِيرِينَ: يَمْسَحُ مَرَّتَيْنِ. وَالظَّاهِرُ مِنَ الْآيَةِ: أَنَّهُ كَيْفَمَا مَسَحَ أَجْزَأَهُ.

وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَفْضَلِ ابْتِدَاءً بِالْمُقَدَّمِ إِلَى الْقَفَا، ثُمَّ إِلَى الْوَسَطِ، ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ الثَّابِتُ مِنْهَا فِي السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الْأَوَّلُ، وَهُوَ قَوْلُ: مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَجَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. وَالثَّانِي: مِنْهَا قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ. وَالثَّالِثُ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ رَدَّ الْيَدَيْنِ عَلَى شَعْرِ الرَّأْسِ لَيْسَ بِفَرْضٍ، فَتَحَقَّقَ الْمَسْحُ بِدُونِ الرَّدِّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ فَرْضٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْعِمَامَةِ لَا يُجْزِئُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَسْحًا لِلرَّأْسِ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ: يُجْزِئُ، وَأَنَّ الْمَسْحَ يُجْزِئُ وَلَوْ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا يُجْزِئُ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِ أَصَابِعَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ غَسَلَ رَأْسَهُ لَمْ يُجْزِهِ، لِأَنَّ الْغَسْلَ لَيْسَ هُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ وَهُوَ قول: أبي العباس ابن الْقَاضِي مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَيَقْتَضِيهِ مَذْهَبُ الظَّاهِرِيَّةِ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي أَنَّ الْغَسْلَ يُجْزِيهِ مِنَ الْمَسْحِ إِلَّا مَا رَوَى لَنَا الشَّاشِيُّ فِي الدَّرْسِ عَنِ ابْنِ الْقَاضِي أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ.

وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ وَأَبُو بَكْرٍ، وَهِيَ قِرَاءَةُ أَنَسٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالْبَاقِرِ، وَقَتَادَةَ، وَعَلْقَمَةَ، وَالضَّحَّاكِ: وَأَرْجُلِكُمْ بِالْخَفْضِ. وَالظَّاهِرُ مِنْ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ انْدِرَاجُ الْأَرْجُلِ فِي الْمَسْحِ مَعَ الرَّأْسِ.

وَرُوِيَ وُجُوبُ مَسْحِ الرِّجْلَيْنِ عَنِ. ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَنَسٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَأَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ

، وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِيَّةِ مِنَ الشِّيعَةِ. وَقَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: فَرَضُهُمَا الْغَسْلُ. وَقَالَ دَاوُدُ: يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَسْحِ وَالْغَسْلِ، وَهُوَ قَوْلُ الناصر


(١) سورة المائدة: ٥/ ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>