للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ الشَّرْطِيَّةِ وَجَوَابِهَا فِي النِّسَاءِ، إِلَّا أَنَّ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ زِيَادَةَ مِنْهُ وَهِيَ مُرَادَةٌ فِي تِلْكَ الَّتِي فِي النِّسَاءِ. وَفِي لَفْظَةِ: مِنْهُ دَلَالَةٌ عَلَى إِيصَالِ شَيْءٍ مِنَ الصَّعِيدِ إِلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ، فَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِمَا لَا يَعْلَقُ بِالْيَدِ كَالْحَجَرِ وَالْخَشَبِ وَالرَّمْلِ الْعَارِي عَنْ أَنْ يَعْلَقَ شَيْءٌ مِنْهُ بِالْيَدِ فَيَصِلَ إِلَى الْوَجْهِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: إِذَا ضَرَبَ الْأَرْضَ وَلَمْ يَعْلَقْ بِيَدِهِ شَيْءٌ مِنَ الْغُبَارِ وَمَسَحَ بِهَا أَجْزَأَهُ. وَظَاهِرُ الْأَمْرِ بِالتَّيَمُّمِ لِلصَّعِيدِ، وَالْأَمْرِ بِالْمَسْحِ، أَنَّهُ لَوْ يَمَّمَهُ غَيْرُهُ، أَوْ وَقَفَ فِي مَهَبِّ رِيحٍ فَسَفَتْ عَلَى وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ وَأَمَرَّ يَدَهُ عَلَيْهِ، أَوْ لَمْ يُمِرَّ، أَوْ ضَرَبَ ثَوْبًا فَارْتَفَعَ مِنْهُ غُبَارٌ إِلَى وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ، أَنَّ ذَلِكَ لَا يُجْزِئُهُ. وَفِي كُلٍّ مِنَ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ خِلَافٌ.

مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ أَيْ مِنْ تَضْيِيقٍ، بَلْ رَخَّصَ لَكُمْ فِي تَيَمُّمِ الصَّعِيدِ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ. وَالْإِرَادَةُ صِفَةُ ذَاتٍ، وَجَاءَتْ بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ مُرَاعَاةً لِلْحَوَادِثِ الَّتِي تَظْهَرُ عَنْهَا، فَإِنَّهَا تَجِيءُ مَؤْتَنِقَةً مِنْ نَفْيِ الْحَرَجِ، وَوُجُودِ التَّطْهِيرِ، وَإِتْمَامِ النِّعْمَةِ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى مِثْلِ اللَّامِ فِي لِيَجْعَلَ فِي قَوْلِهِ: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ «١» فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ.

وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ مَفْعُولَ يُرِيدُ مَحْذُوفٌ تَتَعَلَّقُ بِهِ اللَّامُ، جَعَلَ زيادة فِي الْوَاجِبِ لِلنَّفْيِ الَّذِي فِي صَدْرِ الْكَلَامِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ النَّفْيُ وَاقِعًا عَلَى فِعْلِ الْحَرَجِ، وَيَجْرِي مَجْرَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ مَا جَاءَ

فِي الْحَدِيثِ «دِينُ اللَّهِ يُسْرٌ، وَبُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ»

وَجَاءَ لَفْظُ الدِّينِ بِالْعُمُومِ، وَالْمَقْصُودُ بِهِ الَّذِي ذُكِرَ بِقُرْبٍ وَهُوَ التَّيَمُّمُ.

وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ أَيْ بِالتُّرَابِ إِذَا أَعْوَزَكُمُ التَّطَهُّرُ بِالْمَاءِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «التُّرَابُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ وَلَوْ إِلَى عَشْرِ حِجَجٍ» .

وَقَالَ الْجُمْهُورُ: الْمَقْصُودُ بِهَذَا التَّطْهِيرِ إِزَالَةُ النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ النَّاشِئَةِ عَنْ خُرُوجِ الْحَدَثِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى لِيُطَهِّرَكُمْ مِنْ أَدْنَاسِ الْخَطَايَا بِالْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ، كَمَا جَاءَ

فِي مُسْلِمٍ: «إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ أَوِ الْمُؤْمِنُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ»

إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى لِيُطَهِّرَكُمْ عَنِ التَّمَرُّدِ عَنِ الطَّاعَةِ. وَقَرَأَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: لِيُطْهِرَكُمْ بِإِسْكَانِ الطَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْهَاءِ.

وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ أَيْ وَلِيُتِمَّ بِرُخَصِهِ العامة عَلَيْكُمْ بِعَزَائِمِهِ. وَقِيلَ: الْكَلَامُ متعلق


(١) سورة النساء: ٤/ ٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>