للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ قَرِيبٌ مِنْ هَذَا، وَظَاهِرُ الْيَهُودِ الْعُمُومُ مَنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الرَّسُولِ مِنْ يَهُودِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ مُرِّنُوا عَلَى تَكْذِيبِ الْأَنْبِيَاءِ وَقَتْلِهِمْ وَعَلَى الْعُتُوِّ وَالْمَعَاصِي، وَاسْتِشْعَارِهِمُ اللَّعْنَةَ وَضَرْبِ الذِّلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ، فَتَحَرَّرَتْ عَدَاوَتُهُمْ وَكَيْدُهُمْ وَحَسَدُهُمْ وَخُبْثُهُمْ،

وَفِي الْحَدِيثِ: «مَا خَلَا يَهُودِيَّانِ بِمُسْلِمٍ إِلَّا هَمَّا بِقَتْلِهِ»

وَفِي وَصْفِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ بِأَنَّهُمْ أَشَدُّ عَدَاوَةً إِشْعَارٌ بِصُعُوبَةِ إِجَابَتِهِمْ إِلَى الْحَقِّ، وَلِذَلِكَ قَلَّ إِسْلَامُ الْيَهُودِ.

وَقِيلَ الْيَهُودَ هُنَا هُمْ يَهُودُ الْمَدِينَةِ لِأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ مالؤوا الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.

وَعَطْفُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا عَلَى الْيَهُودَ جَعَلَهُمْ تَبَعًا لَهُمْ فِي ذَلِكَ إِذْ كَانَ الْيَهُودُ أَشَدَّ فِي الْعَدَاوَةِ، إِذْ تَبَايَنُوا هُمْ وَالْمُسْلِمُونَ فِي الشَّرِيعَةِ لَا فِي الْجِنْسِ، إِذْ بَيْنَهُمْ وَشَائِجُ مُتَّصِلَةٌ مِنَ الْقَرَابَاتِ وَالْأَنْسَابِ الْقَرِيبَةِ فَتَعْطِفُهُمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ الرَّحِمُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَلِأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَهُمْ أَسْرَعُ لِلْإِيمَانِ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَعُطِفُوا هُنَا كَمَا عُطِفُوا فِي قَوْلِهِ: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا «١» وَاللَّامُ فِي لَتَجِدَنَّ هِيَ الْمُلْتَقَى بِهَا الْقَسَمُ الْمَحْذُوفُ.

وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: هِيَ لَامُ الِابْتِدَاءِ، وَلَيْسَ بمرضيّ، والنَّاسِ هُنَا الْكُفَّارُ، أَيْ وَلَتَجِدَنَّ أَشَدَّ الْكُفَّارِ عَدَاوَةً.

وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَيْ هُمْ أَلْيَنُ عَرِيكَةً وَأَقْرَبُ وُدًّا. وَلَمْ يَصِفْهُمْ بِالْوُدِّ إِنَّمَا جَعَلَهُمْ أَقْرَبَ مِنَ الْيَهُودِ وَالْمُشْرِكِينَ، وَهِيَ أُمَّةٌ لَهُمُ الْوَفَاءُ وَالْخِلَالُ الْأَرْبَعُ الَّتِي ذَكَرَهَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَيُعَظِّمُونَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ مَنِ اسْتَشْعَرُوا مِنْهُ دِينًا وَإِيمَانًا، وَيُبْغِضُونَ أَهْلَ الْفِسْقِ، فَإِذَا سَالَمُوا فَسِلْمُهُمْ صَافٍ، وَإِذَا حَارَبُوا فَحَرْبُهُمْ مُدَافَعَةٌ، لِأَنَّ شَرْعَهُمْ لَا يَأْمُرُهُمْ بِذَلِكَ، وَحِينَ غَلَبَ الرُّومُ فَارِسَ سُرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِغَلَبَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ لِأَهْلِ عِبَادَةِ النَّارِ، وَلِإِهْلَاكِ الْعَدُوِّ الْأَكْبَرِ بِالْعَدُوِّ الْأَصْغَرِ إِذْ كَانَ مَخُوفًا عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَالْيَهُود لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَخْلَاقِ النَّصَارَى، بَلْ شَأْنُهُمُ الْخُبْثُ وَاللَّيُّ بِالْأَلْسِنَةِ، وَفِي خِلَالِ إِحْسَانِكَ إِلَى الْيَهُودِيِّ يَتَرَقَّبُ مَا يَغْتَالُكَ بِهِ أَلَا تَرَى إِلَى مَا حَكَى تَعَالَى عَنْهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ «٢» وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا مُتَمَسِّكِينَ بِحَقِيقَةِ النَّصْرَانِيَّةِ، بَلْ ذَلِكَ قَوْلٌ مِنْهُمْ وَزَعْمٌ، وَتَعَلُّقٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا الْأَوَّلِ بِعَدَاوَةٍ وَالثَّانِي بِمَوَدَّةٍ. وَقِيلَ هُمَا فِي مَوْضِعِ


(١) سورة البقرة: ٢/ ٩٦.
(٢) سورة المائدة: ٥/ ١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>