للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ مَصْدَرًا بَلْ هُوَ اسْمٌ كَالسِّوَاكِ فَلِذَلِكَ صَحَّتِ الْوَاوُ قَالَ: قِوَامُ دُنْيَا وَقِيَامُ دِينٍ. إِذَا لَحِقَتْ تَاءُ التَّأْنِيثِ لَزِمَتِ التَّاءُ قَالُوا الْقِيَامَةُ وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ قِياماً لِلنَّاسِ فَقِيلَ بِاتِّسَاعِ الرِّزْقِ عَلَيْهِمْ إِذْ جَعَلَهَا تَعَالَى مَقْصُودَةً مِنْ جَمِيعِ الْآفَاقِ وَكَانَتْ مَكَّةُ لَا زَرْعَ وَلَا ضَرْعَ، وَقِيلَ بِامْتِنَاعِ الْإِغَارَةِ فِي الْحَرَمِ، وَقِيلَ بِسَبَبِ صَيْرُورَتِهِمْ أَهْلَ اللَّهِ فَكُلُّ أَحَدٍ يَتَقَرَّبُ إِلَيْهِمْ، وَقِيلَ بِمَا يُقَامُ فِيهَا مِنَ الْمَنَاسِكِ وَفِعْلِ الْعِبَادَاتِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقِيلَ: يَأْمَنُ مَنْ تَوَجَّهَ إِلَيْهَا وَرُوِيَ عَنْهُ، وَقِيلَ بِعَدَمِ أَذَى مَنْ أَخْرَجُوهُ مِنْ جَرِّ جَرِيرَةٍ وَلَجَأَ إِلَيْهَا، وَقِيلَ بِبَقَاءِ الدِّينِ مَا حُجَّتْ وَاسْتُقْبِلَتْ، وَقَالَ عَطَاءٌ لَوْ تَرَكُوهُ عَامًا وَاحِدًا لَمْ يُنْظَرُوا وَلَمْ يُؤَخَّرُوا. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ لَا يَبْعُدُ حَمْلُهُ عَلَى جَمِيعِ الْوُجُوهِ، لِأَنَّ قِوَامَ الْمَعِيشَةِ بِكَثْرَةِ الْمَنَافِعِ وَبِدَفْعِ الْمَضَارِّ وَبِحُصُولِ الْجَاهِ وَالرِّئَاسَةِ وَبِحُصُولِ الدِّينِ وَالْكَعْبَةُ سَبَبٌ لِحُصُولِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ انْتَهَى.

وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ قِيَمًا بِغَيْرِ أَلِفٍ فَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ قِيَامًا بِالْأَلِفِ وَحُذِفَتْ فَقِيلَ حُكْمُ هَذَا أَنْ يَجِيءَ فِي الشِّعْرِ وَإِنْ كَانَ مَصْدَرًا عَلَى فِعَلٍ فَكَانَ قِيَاسُهُ أَنْ تَصِحَّ فِيهِ الْوَاوُ كَعِوَضٍ، وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيُّ قَيِّمًا بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْمَكْسُورَةِ وَهُوَ كَسَيِّدٍ اسْمٌ يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْوَصْفِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِزَمَانٍ وَلَفْظُ النَّاسِ عَامٌّ، فَقِيلَ الْمُرَادُ الْعُمُومُ، وَقِيلَ الْمُرَادُ الْعَرَبُ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بن أبي الْفَضْلِ وَحُسْنُ هَذَا الْمَجَازِ أَنَّ أَهْلَ كُلِّ بَلْدَةٍ إِذَا قَالُوا النَّاسُ فَعَلُوا كَذَا لَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ إِلَّا أَهْلَ بَلْدَتِهِمْ فَلِذَلِكَ خُوطِبُوا عَلَى وَفْقِ عَادَتِهِمُ انْتَهَى. وَالشَّهْرُ الْحَرَامُ ظَاهِرُهُ الْإِفْرَادُ، فَقِيلَ هُوَ ذُو الْحِجَّةِ وَحْدَهُ وَبِهِ بَدَأَ الزَّمَخْشَرِيُّ قَالَ لِأَنَّ لِاخْتِصَاصِهِ مِنْ بَيْنِ الْأَشْهُرِ الْمُحَرَّمَةِ بِرَسْمِ الْحَجِّ شَأْنًا قَدْ عَرَفَهُ اللَّهُ انْتَهَى، وَقِيلَ الْمُرَادُ الْجِنْسُ فَيَشْمَلُ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ الْأَرْبَعَةَ الثَّلَاثَةَ بِإِجْمَاعٍ مِنَ الْعَرَبِ وَشَهْرَ مُضَرَ وَهُوَ رَجَبٌ كَانَ كَثِيرٌ مِنَ الْعَرَبِ لَا يَرَاهُ وَلِذَلِكَ يُسَمَّى شَهْرَ اللَّهِ إِذْ كَانَ تَعَالَى قَدْ أَلْحَقَهُ فِي الْحُرْمَةِ بِالثَّلَاثَةِ فَنَسَبَهُ وَسَدَّدَهُ، وَالْمَعْنَى شَهْرُ آلِ اللَّهِ وَهُوَ شَهْرُ قُرَيْش وَلَهُ يَقُولُ عَوْفُ بْنُ الْأَحْوَصِ:

وَشَهْرِ بَنِي أمية والهدايا ... إذا سيقت مصرحها الدِّمَاءُ

وَلَمَّا كَانَتِ الْكَعْبَةُ مَوْضِعًا مَخْصُوصًا لَا يَصِلُ إِلَيْهِ كُلُّ خَائِفٍ جَعَلَ اللَّهُ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ قِيَامًا لِلنَّاسِ كَالْكَعْبَةِ.

ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الظَّاهِرُ أَنَّ الْإِشَارَةَ هِيَ لِلْمَصْدَرِ الْمَفْهُومِ أَيْ ذَلِكَ الْجَعْلُ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَأَمْنًا لَهُمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>