يَعْثُرُ بِشَيْءٍ كَانَ لَا يَرَاهُ فَلَمَّا عَثَرَ بِهِ اطَّلَعَ عَلَيْهِ وَنَظَرَ مَا هُوَ فَلِذَلِكَ قِيلَ لِكُلِّ مَنِ اطَّلَعَ عَلَى أَمْرٍ كَانَ خَفِيًّا عَلَيْهِ قَدْ عَثَرَ عَلَيْهِ وَيُقَالُ قَدْ عَثَرَ عَلَيْهِ وَقَدْ أَعْثَرَ عَلَيْهِ إِذَا أَطْلَعَهُ عَلَيْهِ وَمِنْهُ وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ «١» أَيِ أطْلَعْنَا، وَقَالَ اللَّيْثُ عَثَرَ يَعْثُرُ عُثُورًا هَجَمَ عَلَى أَمْرٍ لَمْ يَهْجُمْ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَعَثَرَ عَثْرَةً وَقَعَ عَلَى شَيْءٍ.
الْمَائِدَةُ الْخِوَانُ الَّذِي عَلَيْهِ طَعَامٌ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ طَعَامٌ فَلَيْسَ بِمَائِدَةٍ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ هِيَ فَاعِلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ وَهِيَ مِنَ الْعَطَاءِ وَالْمُمْتَادُ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ الْعَطَاءُ مَادَّهُ أَعْطَاهُ وَامْتَادَّهُ اسْتَعْطَاهُ.
وَقَالَ الزَّجَّاجُ هِيَ فَاعِلَةٌ مِنْ مَادَ يَمِيدُ تَحَرَّكَ فَكَأَنَّهَا تَمِيدُ بِمَا عَلَيْهَا، وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ الْمَائِدَةُ الطَّعَامُ مِنْ مَادَّهُ يُمِيدُهُ أَعْطَاهُ كَأَنَّهَا تُمِيدُ الْآكِلِينَ أَيْ تُطْعِمُهُمْ وَتَكُونُ فَاعِلَةً بِمَعْنَى مَفْعُولٍ بِهَا أَيْ مِيدَ بِهَا الْآكِلُونَ. وَقِيلَ مِنَ الْمِيدِ وَهُوَ الْمَيْلُ وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ الزَّجَّاجِ.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ
رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَبِي قَالَ: «أَبُوكَ فُلَانٌ» وَنَزَلَتِ الْآيَةُ.
وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ أَيْضًا أَنَّ رَجُلًا قَالَ: أَيْنَ مَدْخَلِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «النَّارُ»
وَإِنَّ السَّائِلَ مَنْ أَبِي هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ وَفِي غَيْرِ حَدِيثِ أَنَسٍ،
فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ مَنْ أَبِي فَقَالَ «أَبُوكَ سَالِمٌ مَوْلَى شَيْبَةَ»
،
وَقِيلَ نَزَلَتْ بِسَبَبِ سُؤَالِهِمْ عَنِ الْحَجِّ أَفِي كُلِّ عَامٍ؟ فَسَكَتَ فَقَالَ أَفِي كُلِّ عَامٍ؟ قَالَ: «لَا وَلَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ» . رُوِيَ هَذَا عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي أُمَامَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَقِيلَ السَّائِلُ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ، وَقِيلَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ الْأَسَدِيُّ، وَقِيلَ مِحْصَنٌ
، وَقِيلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ. وَقِيلَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، وَقَالَ الْحَسَنُ: سَأَلُوا عَنْ أُمُورِ الْجَاهِلِيَّةِ الَّتِي عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَلَا وَجْهَ لِلسُّؤَالِ عَمَّا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ، وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ وَرَوَاهُ مُجَاهِدٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: سَأَلُوا عَنِ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ وَلِذَلِكَ جَاءَ ذِكْرُهَا بَعْدَهَا وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُمْ سَأَلُوا الْآيَاتِ وَالْمُعْجِزَاتِ. وَذَكَرَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي تَسْهِيمِ الْفَرَائِضِ،
وَرُوِيَ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ أَمْرَ الْكَعْبَةِ وَالْهَدْيِ وَالْقَلَائِدِ وَأَعْلَمَ أَنَّ حُرْمَتَهَا هُوَ تَعَالَى الَّذِي شَرَعَهَا إِذْ هِيَ أُمُورٌ قَدِيمَةٌ مِنْ لَدُنْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ذَهَبَ نَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ إِلَى السُّؤَالِ عَنْ سَائِرِ أَحْكَامِ الْجَاهِلِيَّةِ هَلْ تُلْحَقُ بِذَلِكَ أَمْ لَا؟
إِذْ كَانُوا قَدِ اعْتَقَدُوا الْجَمِيعَ سُنَّةً لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ مَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ تِلْقَاءِ الشَّيْطَانِ، وَالظَّاهِرُ مِنَ الرِّوَايَاتِ أَنَّ الْأَعْرَابَ أَلَحُّوا عَلَيْهِ بِأَنْوَاعٍ مِنَ السُّؤَالَاتِ فَزُجِرُوا عَنْ ذَلِكَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَقِيلَ نَزَلَتْ في
(١) سورة الكهف: ١٨/ ٢١.