للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرَوَى أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ مُنَافِقِي مَكَّةَ قَالُوا: عَجَبًا لِمُحَمَّدٍ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ بَعَثَهُ لِيُقَاتِلَ النَّاسَ كَافَّةً حَتَّى يُسْلِمُوا وَقَدْ قَبِلَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ الْجِزْيَةَ فَهَلَّا أَكْرَهَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ وَقَدْ رَدَّهَا عَلَى إِخْوَانِنَا مِنَ الْعَرَبِ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَنَزَلَتْ

، وَقَالَ مُقَاتِلٌ مَا يُقَارِبُ هَذَا الْقَوْلَ، وَذَكَرُوا فِي مُنَاسَبَةِ هَذِهِ الْآيَةِ لِمَا قَبْلَهَا أَنَّهُ لَمَّا بَيَّنَ أَنْوَاعَ التَّكَالِيفِ ثُمَّ قِيلَ مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ- إِلَى قَوْلِهِ: - وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا «١» الْآيَةَ.

كَانَ الْمَعْنَى أَنَّ هَؤُلَاءِ الْجُهَّالَ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي الْإِعْذَارِ وَالْإِنْذَارِ وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ لَمْ يَنْتَفِعُوا بِشَيْءٍ مِنْهُ بَلْ بَقُوا مُصِرِّينَ عَلَى جَهْلِهِمْ فَلَا تُبَالُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِجَهَالَتِهِمْ وَضَلَالَتِهِمْ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّكُمْ بَلْ كُونُوا مُنْقَادِينَ لِتَكَالِيفِ اللَّهِ مُطِيعِينَ لِأَوَامِرِهِ، وعَلَيْكُمْ:

مِنْ كَلِمِ الْإِغْرَاءِ وَلَهُ بَابٌ مَعْقُودٌ فِي النَّحْوِ وَهُوَ مَعْدُودٌ فِي أَسْمَاءِ الْأَفْعَالِ فَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ مُتَعَدِّيًا كَانَ اسْمُهُ مُتَعَدِّيًا وَإِنْ كَانَ لَازِمًا كَانَ لَازِمًا وعَلَيْكُمْ: اسْمٌ لِقَوْلِكَ الْزَمْ فَهُوَ مُتَعَدٍّ فَلِذَلِكَ نَصَبَ الْمَفْعُولَ بِهِ وَالتَّقْدِيرُ هُنَا عَلَيْكُمْ إِصْلَاحَ أَنْفُسِكُمْ أَوْ هِدَايَةَ أَنْفُسِكُمْ، وَإِذَا كَانَ الْمُغْرَى بِهِ مُخَاطَبًا جَازَ أَنْ يُؤْتَى بِالضَّمِيرِ مُنْفَصِلًا فَتَقُولُ عَلَيْكَ إِيَّاكَ أَوْ يُؤْتَى بِالنَّفْسِ بَدَلَ الضَّمِيرِ فَتَقُولُ عَلَيْكَ نَفْسَكَ كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ.

وَحَكَى الزَّمَخْشَرِيُّ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ بِالرَّفْعِ وَهِيَ قِرَاءَةٌ شَاذَّةٌ تَخْرُجُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا يَرْتَفِعُ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَعَلَيْكُمْ فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ وَالْمَعْنَى عَلَى الْإِغْرَاءِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ تَوْكِيدًا لِلضَّمِيرِ الْمُسْتَكِنِّ فِي عَلَيْكُمْ وَلَمْ تُؤَكَّدْ بِمُضْمَرٍ مُنْفَصِلٍ إِذْ قَدْ جَاءَ ذَلِكَ قَلِيلًا وَيَكُونُ مَفْعُولُ عَلَيْكُمْ مَحْذُوفًا لِدَلَالَةِ الْمَعْنَى عَلَيْهِ وَالتَّقْدِيرُ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ هِدَايَتَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ لَا يَضُرُّكُمْ بِضَمِّ الضَّادِ وَالرَّاءِ وَتَشْدِيدِهَا، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَفِيهِ وَجْهَانِ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا مَرْفُوعًا وَيَنْصُرُهُ قِرَاءَةُ أَبِي حَيْوَةَ لَا يَضُرُّكُمْ وَأَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِلْأَمْرِ مَجْزُومًا وَإِنَّمَا ضُمَّتِ الرَّاءُ إِتْبَاعًا لِضَمَّةِ الضَّادِ الْمَنْقُولَةِ إِلَيْهَا مِنَ الرَّاءِ الْمُدْغَمَةِ وَالْأَصْلُ لَا يَضُرُّكُمْ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَهْيًا انْتَهَى.

وَقَرَأَ الْحَسَنُ بِضَمِّ الضَّادِ وَسُكُونِ الرَّاءِ مِنْ ضَارَ يَضُورُ، وَقَرَأَ النَّخَعِيُّ بِكَسْرِ الضَّادِ وَسُكُونِ الرَّاءِ مِنْ ضَارَ يَضِيرُ وَهِيَ لُغَاتٌ.

إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أَيْ مَرْجِعُ الْمُهْتَدِينَ وَالضَّالِّينَ وَغَلَّبَ الْخِطَابَ عَلَى الْغَيْبَةِ كَمَا تَقُولُ أَنْتَ وَزَيْدٌ تَقُومَانِ وَهَذَا فِيهِ تَذْكِيرٌ بِالْحَشْرِ وَتَهْدِيدٌ بِالْمُجَازَاةِ.


(١) سورة المائدة: ٥/ ٩٩- ١٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>