للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذِهِ الْآيَاتُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعَانِي مِنْ أَشْكَلِ مَا فِي الْقُرْآنِ إِعْرَابًا وَمَعْنًى وَحُكْمًا، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ وَهَذَا كَلَامُ مَنْ لَمْ يَقَعْ لَهُ الثَّلَجُ فِي تَفْسِيرِهَا وَذَلِكَ بَيِّنٌ مِنْ كِتَابِهِ انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ السَّخَاوِيُّ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنَ الْأَئِمَّةِ تَخَلَّصَ كَلَامُهُ فِيهَا مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا انْتَهَى.

وَمُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْآيَةِ لِمَا قَبْلَهَا هِيَ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كَانَ فِي ذَلِكَ تَنْفِيرٌ عَنْ الضَّلَالِ وَاسْتِبْعَادٌ عَنْ أَنْ يُنْتَفَعَ بِهِمْ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ شَهَادَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَأَخْبَرَ تَعَالَى بِمَشْرُوعِيَّةِ شَهَادَتِهِمْ أَوِ الْإِيصَاءِ إِلَيْهِمْ فِي السَّفَرِ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ الْقُشَيْرِيُّ لَمَّا نَزَلَتِ السُّورَةُ بِالْوَفَاءِ بِالْعُقُودِ وَتَرْكِ الْخِيَانَاتِ انْجَرَّ الْكَلَامُ إِلَى هَذَا، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ شَهادَةُ بَيْنِكُمْ بِالرَّفْعِ وَإِضَافَةِ شَهادَةُ إِلَى بَيْنِكُمْ، وَقَرَأَ الشَّعْبِيُّ وَالْحَسَنُ وَالْأَعْرَجُ شَهادَةُ بَيْنِكُمْ بِرَفْعِ شَهَادَةٌ وَتَنْوِينِهِ، وَقَرَأَ السُّلَمِيُّ وَالْحَسَنُ أَيْضًا شَهادَةُ بِالنَّصْبِ وَالتَّنْوِينِ وَرُوِيَ هَذَا عَنِ الأعرج وأبي حيوة وبَيْنِكُمْ فِي هَاتَيْنِ الْقِرَاءَتَيْنِ مَنْصُوبٌ على الظرف فشهادة عَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ مُبْتَدَأٌ مُضَافٌ إِلَى بَيْنٍ بَعْدَ الِاتِّسَاعِ فِيهِ كَقَوْلِهِ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ «١» وَخَبَرُهُ اثْنانِ تَقْدِيرُهُ شَهَادَةُ اثْنَيْنِ أَوْ يَكُونُ التَّقْدِيرُ ذَوَا شَهَادَةِ بَيْنِكُمُ اثْنَانِ وَاحْتِيجَ إِلَى الْحَذْفِ لِيُطَابِقَ الْمُبْتَدَأُ الْخَبَرَ وَكَذَا تَوْجِيهُ قِرَاءَةِ الشَّعْبِيِّ وَالْأَعْرَجِ، وَأَجَازَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنْ يَرْتَفِعَ اثْنانِ عَلَى الفاعلية بشهادة وَيَكُونَ شَهادَةُ مُبْتَدَأً وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ وَقَدَّرَهُ فِيمَا فُرِضَ عَلَيْكُمْ أَنْ يَشْهَدَ اثْنَانِ، وَقِيلَ شَهادَةُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ، وَقِيلَ خَبَرُهُ حِينَ الْوَصِيَّةِ، وَيَرْتَفِعُ اثْنانِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، التَّقْدِيرُ الشَّاهِدَانِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ، أَوْ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ، التَّقْدِيرُ يَشْهَدُ اثْنَانِ، وَقِيلَ شَهادَةُ مُبْتَدَأٌ واثْنانِ مُرْتَفِعٌ بِهِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ وَأَغْنَى الْفَاعِلُ عَنِ الْخَبَرِ. وَعَلَى الْإِعْرَابِ الْأَوَّلِ يَكُونُ إِذا مَعْمُولًا لِلشَّهَادَةِ وَأَمَّا حِينَ فَذَكَرُوا أَنَّهُ يَكُونُ مَعْمُولًا لِحَضَرَ أَوْ ظَرْفًا لِلْمَوْتِ أَوْ بَدَلًا مِنْ إِذَا وَلَمْ يَذْكُرِ الزَّمَخْشَرِيُّ غَيْرَ البدل، قال وحِينَ الْوَصِيَّةِ بَدَلٌ مِنْهُ يَعْنِي مِنْ إِذا وَفِي إِبْدَالِهِ مِنْهُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْوَصِيَّةِ وَأَنَّهَا مِنَ الْأُمُورِ اللَّازِمَةِ الَّتِي لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَهَاوَنَ بِهَا الْمُسْلِمُ وَيَذْهَلَ عَنْهَا، وَحُضُورُ الْمَوْتِ مُشَارَفَتُهُ وَظُهُورُ أَمَارَاتِ بُلُوغِ الْأَجَلِ انْتَهَى.

وَقَالَ الْمَاتُرِيدِيُّ وَاتَّبَعَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ: التَّقْدِيرُ مَا بَيْنَكُمْ فَحُذِفَ مَا، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ: يَعْنِي شَهَادَةَ مَا بَيْنَكُمْ، وبَيْنِكُمْ كِنَايَةٌ عَنِ التَّنَازُعِ لِأَنَّ الشُّهُودَ إِنَّمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِمْ عِنْدَ وُقُوعِ التَّنَازُعِ وَحَذْفُ مَا مِنْ قَوْلِهِ مَا بَيْنَكُمْ جَائِزٌ لِظُهُورِهِ وَنَظِيرُهُ هَذَا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ أَيْ مَا بَيْنِي وَبَيْنِكَ وَقَوْلُهُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ لله «٢» فِي قِرَاءَةِ مَنْ نَصَبَ انتهى.


(١) سورة الكهف: ١/ ٧٨.
(٢) سورة الأنعام: ٦/ ٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>