للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَاءَنِي الَّذِي مَرَرْتُ تُرِيدُ بِهِ كَانَ ضَعِيفًا إِلَّا إِنِ اعْتُقِدَ أَنَّهُ حُذِفَ حَرْفُ الْجَرِّ أَوَّلًا فَانْتَصَبَ الضَّمِيرُ ثُمَّ حُذِفَ مَنْصُوبًا وَلَا يَبْعُدُ. وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ مَاذَا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِأُجِبْتُمْ وَحَرْفُ الْجَرِّ مَحْذُوفٌ أَيْ بِمَاذَا أُجِبْتُمْ وَمَا وَذَا هُنَا بِمَنْزِلَةِ اسْمٍ وَاحِدٍ وَيَضْعُفُ أَنْ يُجْعَلَ ذَا بِمَعْنَى الَّذِي هُنَا لِأَنَّهُ لَا عَائِدَ هُنَا وَحَذْفُ الْعَائِدِ مَعَ حَرْفِ الْجَرِّ ضَعِيفٌ انْتَهَى، وَمَا ذَكَرَهُ أَبُو الْبَقَاءِ أَضْعَفُ لِأَنَّهُ لَا يَنْقَاسُ حَذْفُ حَرْفِ الْجَرِّ إِنَّمَا سُمِعَ ذَلِكَ فِي أَلْفَاظٍ مَخْصُوصَةٍ وَنَصُّوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ زَيْدًا مَرَرْتُ بِهِ تُرِيدُ بِزَيْدٍ مَرَرْتُ وَلَا سِرْتُ الْبَيْتَ تُرِيدُ إِلَى الْبَيْتِ إِلَّا فِي ضَرُورَةِ شِعْرٍ نَحْوَ قَوْلِ الشَّاعِرِ:

تَحِنُّ فَتُبْدِي مَا بِهَا مِنْ صَبَابَةٍ ... وَأُخْفِي الَّذِي لَوْلَا الْأَسَى لَقَضَانِي

يُرِيدُ لَقَضَى عَلَيَّ فَحَذَفَ عَلَيَّ وَعَدَّى الْفِعْلَ إِلَى الضَّمِيرِ فَنَصَبَهُ. وَنَفْيُهُمُ الْعِلْمَ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ لَا عِلْمَ لَنا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَعْنَاهُ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا عِلْمًا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا كَأَنَّ الْمَعْنَى لَا عِلْمَ لَنَا يَكْفِي وَيَنْتَهِي إِلَى الْغَايَةِ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ مَعْنَى مَاذَا أُجِبْتُمْ مَاذَا عَمِلُوا بَعْدَكُمْ وَمَاذَا أَحْدَثُوا فَلِذَلِكَ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنا وَيُؤَيِّدُهُ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، إِلَّا أَنَّ لَفْظَةَ مَاذَا أُجِبْتُمْ تنبوعن أَنْ تُشْرَحَ بِقَوْلِهِ مَاذَا عَمِلُوا وَذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ عَنِ الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَالسُّدِّيِّ وَسَهْلٍ التُّسْتَرِيِّ أَقْوَالًا فِي تَفْسِيرِ قَوْلَهُمْ لَا عِلْمَ لَنا لَا تُنَاسِبُ الرُّسُلَ أَضْرَبْتُ عَنْ ذِكْرِهَا صَفْحًا.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإِنْ قُلْتَ) كَيْفَ يَقُولُونَ لَا عِلْمَ لَنَا وَقَدْ عَلِمُوا مَا أُجِيبُوا؟ (قُلْتُ) :

يَعْلَمُونَ أَنَّ الْغَرَضَ بِالسُّؤَالِ تَوْبِيخُ أَعْدَائِهِمْ فَيَكِلُونَ الْأَمْرَ إِلَى عِلْمِهِ، وَإِحَاطَتِهِ بِمَا مُنُّوا بِهِ مِنْهُمْ، وَذَلِكَ أَعْظَمُ عَلَى الْكَفَرَةِ وَأَفَتُّ فِي أَعَضَادِهِمْ، وَأَجْلَبُ لِحَسْرَتِهِمْ وَسُقُوطِهِمْ فِي أَيْدِيهِمْ إِذَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ تَوْبِيخُ اللَّهِ تَعَالَى وَتَشَكِّي أَنْبِيَائِهِمْ عَلَيْهِمْ، وَمِثَالُهُ أَنْ يَنْكُتَ بَعْضُ الْخَوَارِجِ عَلَى السُّلْطَانِ خَاصَّةً مِنْ خَوَاصِّهِ نُكْتَةً قَدْ عَرَفَهَا السُّلْطَانُ وَاطَّلَعَ عَلَى كُنْهِهَا، وَعَزَمَ عَلَى الِانْتِصَارِ لَهُ مِنْهُ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَيَقُولُ لَهُ مَا فَعَلَ بِكَ هَذَا الْخَارِجِيُّ وَهُوَ عَالِمٌ بِمَا فَعَلَ بِهِ يُرِيدُ تَوْبِيخَهُ وَتَبْكِيتَهُ، فَيَقُولُ: أَنْتَ أَعْلَمُ بِمَا فَعَلَ بِي تَفْوِيضًا لِلْأَمْرِ إِلَى عِلْمِ سُلْطَانِهِ وَاتِّكَالًا عَلَيْهِ وَإِظْهَارًا لِشِكَايَتِهِ وَتَعْظِيمًا لِمَا بِهِ انْتَهَى. وَلَيْسَتِ الْآيَةُ كَهَذَا الْمِثَالِ الَّذِي ذَكَرَهُ لِأَنَّ فِي الْآيَةِ لَا عِلْمَ لَنا وَهَذَا نَفْيٌ لِسَائِرِ أَفْرَادِ الْعِلْمِ عَنْهُمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِجَابَةِ. وَفِي الْمِثَالِ أَنْتَ أَعْلَمُ بِمَا فَعَلَ بِي وَهَذَا لَا يَنْفِي الْعِلْمَ عَنْهُ غَيْرَ أَنَّهُ أَثْبَتَ لِسُلْطَانِهِ أَنَّهُ أَعْلَمُ بِالْخَارِجِيِّ مِنْهُ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي الْفَضْلِ فِي قَوْلِ الزَّمَخْشَرِيِّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ لِأَنَّ السُّؤَالَ إِنَّمَا وَقَعَ عَنْ كُلِّ الْأُمَّةِ وَكُلُّ الْأُمَّةِ مَا كَانُوا كَافِرِينَ حَتَّى يُرِيدَ الرَّسُولُ تَوْبِيخَهُمْ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ عِلْمُنَا سَاقِطٌ مَعَ عِلْمِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>