إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ، وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ أَيَّدْتُكَ عَلَى أَفْعَلْتُكَ، وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ عَلَى وَزْنِ فَاعَلْتُكَ، ثُمَّ قَالَ وَيَظْهَرُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْقِرَاءَتَيْنِ أَيَّدْتُكَ عَلَى وَزْنِ أَفْعَلْتُكَ ثُمَّ اخْتَلَفَ الْإِعْلَالُ وَالْمَعْنَى فيهما أيدتك من الأبد، وَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْأَعَزِّ الْأَكْرَمِ ... أَيَّدَنَا يَوْمَ زُحُوفِ الْأَشْرَمِ
انْتَهَى وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ أَيَّدَ فِي قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ لَيْسَ وَزْنُهُ أَفْعَلَ لِمَجِيءِ الْمُضَارِعِ عَلَى يُؤَيِّدُ فَالْوَزْنُ فَعَّلَ وَلَوْ كَانَ أَفْعَلَ لَكَانَ الْمُضَارِعُ يُؤَيِّدُ كَمُضَارِعِ آمَنَ يُؤْمِنُ وَأَمَّا مَنْ قَرَأَ آيَدَ فَيَحْتَاجُ إِلَى نَقْلِ مُضَارِعِهِ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ فَإِنْ كَانَ يُؤَايِدُ فَهُوَ فَاعَلَ وَإِنْ كَانَ يُؤَيِّدُ فَهُوَ أَفْعَلَ.
وَأَمَّا قَوْلِ ابْنِ عَطِيَّةَ أَنَّهُ فِي الْقِرَاءَتَيْنِ يَظْهَرُ أَنَّ وَزْنَهُ أَفْعَلْتُكَ ثُمَّ اخْتَلَفَ الْإِعْلَالُ فَلَا أَفْهَمُ مَا أَرَادَ. وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ نَظِيرِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فِي قَوْلِهِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ «١» .
تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي.
تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ نَظِيرِ هَذِهِ الْجُمَلِ وَالْقِرَاءَاتِ الَّتِي فِيهَا وَالْإِعْرَابُ وَمَا لَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُهُ نَذْكُرُهُ فَنَقُولُ جَاءَ هُنَاكَ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَتَنْفُخُهَا فَتَكُونُ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ فَتَكُونُ بِالتَّاءِ مِنْ فَوْقُ. وَقَرَأَ عِيسَى بْنُ عُمَرَ فِيهَا فَيَكُونُ بِالْيَاءِ مِنْ تَحْتٍ وَالضَّمِيرُ فِي فِيها قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ اضْطَرَبَ الْمُفَسِّرُونَ فِيهِ قَالَ مَكِّيٌّ هُوَ فِي آلِ عِمْرَانَ عَائِدٌ عَلَى الطَّائِرِ وَفِي الْمَائِدَةِ عَائِدٌ عَلَى الْهَيْئَةِ، قَالَ وَيَصِحُّ عَكْسُ هَذَا وَقَالَ غَيْرُهُ الضَّمِيرُ الْمَذْكُورُ عَائِدٌ عَلَى الطِّينِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ وَلَا يَصِحُّ عَوْدُ هَذَا الضَّمِيرِ لَا عَلَى الطِّينِ وَلَا عَلَى الْهَيْئَةِ لِأَنَّ الطَّيْرَ أَوِ الطَّائِرَ الَّذِي يَجِيءُ الطَّيْرُ عَلَى هَيْئَتِهِ لَا نَفْخَ فِيهِ الْبَتَّةَ، وَكَذَلِكَ لَا نَفْخَ فِي هَيْئَتِهِ الْخَاصَّةِ بِهِ وَكَذَلِكَ الطِّينُ إِنَّمَا هُوَ الطِّينُ الْعَامُّ وَلَا نَفْخَ فِي ذَلِكَ انْتَهَى. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَلَا يَرْجِعُ بَعْضُ الضَّمِيرِ إِلَى الْهَيْئَةِ الْمُضَافِ إِلَيْهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ خَلْقِهِ وَلَا نَفْخِهِ فِي شَيْءٍ وَكَذَلِكَ الضَّمِيرُ فِي يَكُونُ انْتَهَى. وَالَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ كَلَامُ مَكِّيٍّ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ بِهِ مَا فُهِمَ عَنْهُ بَلْ يَكُونُ قَوْلُهُ عَائِدًا عَلَى الطَّائِرِ لَا يُرِيدُ بِهِ الطَّائِرَ الْمُضَافَ إِلَيْهِ الْهَيْئَةُ بَلِ الطَّائِرَ الَّذِي صَوَّرَهُ عِيسَى وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ وَإِذْ يَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ طَائِرًا صُورَةً مِثْلَ صُورَةِ الطَّائِرِ الْحَقِيقِيِّ فَيَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَائِرًا حَقِيقَةً بِإِذْنِ اللَّهِ. وَيَكُونُ قَوْلُهُ عَائِدًا عَلَى الْهَيْئَةِ لَا يُرِيدُ بِهِ الْهَيْئَةَ الْمُضَافَةَ إِلَى
(١) سورة البقرة: ٢/ ٨٧، ٢٥٣.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute