للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ؟ (قُلْتُ) : مَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِالْإِيمَانِ وَالْإِخْلَاصِ وَإِنَّمَا حَكَى ادِّعَاءَهُمْ لَهُمَا ثُمَّ أَتْبَعَهُ قَوْلَهُ: إِذْ قالَ فَآذَنَ أَنَّ دَعْوَاهُمْ كَانَتْ بَاطِلَةً وَأَنَّهُمْ كَانُوا شَاكِّينَ وَقَوْلُهُ: هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ كَلَامٌ لَا يَرِدُ مِثْلُهُ عَنْ مُؤْمِنِينَ مُعَظِّمِينَ لِرَبِّهِمْ وَلِذَلِكَ قَوْلُ عِيسَى لَهُمْ مَعْنَاهُ اتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تَشُكُّوا فِي اقْتِدَارِهِ وَاسْتِطَاعَتِهِ وَلَا تَقْتَرِحُوا عَلَيْهِ وَلَا تتحكموا مَا تَشْتَهُونَ مِنَ الْآيَاتِ فَتَهْلِكُوا إِذَا عَصَيْتُمُوهُ بَعْدَهَا. إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ إِنْ كَانَتْ دَعْوَاكُمْ لِلْإِيمَانِ صَحِيحَةً انْتَهَى.

وَأَمَّا غَيْرُ الزَّمَخْشَرِيِّ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ فَأَطْبَقُوا عَلَى أَنَّ الْحَوَارِيِّينَ كَانُوا مُؤْمِنِينَ حَتَّى قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: لَا خِلَافَ أَحْفَظُهُ فِي أَنَّ الْحَوَارِيِّينَ كَانُوا مُؤْمِنِينَ، وَقَالَ قَوْمٌ: قَالَ الْحَوَارِيُّونَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ فِي صَدْرِ الْأَمْرِ قَبْلَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّهُ يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَيُحْيِي الْمَوْتَى، قَالَ الْمُفَسِّرُونَ وَالْحَوَارِيُّونَ هُمْ خَوَاصُّ عِيسَى وَكَانُوا مُؤْمِنِينَ وَلَمْ يَشُكُّوا فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَوَهَّمَ أَنَّ الْحَوَارِيِّينَ شَكُّوا فِي قُدْرَةِ اللَّهِ وَإِنَّمَا هَذَا كَمَا يَقُولُ الْإِنْسَانُ لِصَاحِبِهِ: هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَقُومَ مَعِي؟ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مُسْتَطِيعٌ لَهُ، وَلَكِنَّهُ يُرِيدُ هَلْ يَسْهُلُ عَلَيْكَ انْتَهَى. وَقَالَ الْفَارِسِيُّ: مَعْنَاهُ هَلْ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِمَسْأَلَتِكَ إِيَّاهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ لَمْ يَشُكُّوا فِي قُدْرَةِ اللَّهِ وَإِنَّمَا سَأَلُوهُ سُؤَالَ مُسْتَخْبِرٍ هَلْ يُنَزِّلُ أَمْ لَا فَإِنْ كَانَ يُنَزِّلُ فَاسْأَلْهُ لَنَا. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ هَلْ يَفْعَلُ تَعَالَى هَذَا وَهَلْ يَقَعُ مِنْهُ إِجَابَةٌ إِلَيْهِ كَمَا قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ: هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُرِيَنِيَ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ فَالْمَعْنَى هَلْ يُحِبُّ ذَلِكَ وَهَلْ يَفْعَلُهُ انْتَهَى. وَقِيلَ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ اسْتِفْهَامُ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ أَمْ لَا وَذَلِكَ لِأَنَّ أَفْعَالَهُ مَوْقُوفَةٌ عَلَى وُجُوهِ الْحِكْمَةِ فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ شَيْءٌ مِنْ وُجُوهِ الْحِكْمَةِ كَانَ الْفِعْلُ مُمْتَنِعًا فَإِنَّ الْمُنَافِيَ مِنْ وُجُوهِ الْحِكْمَةِ كَالْمُنَافِي مِنْ وُجُوهِ الْقُدْرَةِ.

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ هَذَا الْجَوَابُ يَمْشِي عَلَى قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِنَا فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى هَلْ قَضَى بِذَلِكَ وَهَلْ عَلِمَ وُقُوعَهُ فَإِنَّهُ إِنْ لَمْ يَقْضِ بِهِ وَيَعْلَمْ وُقُوعَهُ كَانَ ذَلِكَ مُحَالًا غَيْرَ مَقْدُورٍ لِأَنَّ خِلَافَ الْمَعْلُومِ غَيْرُ مَقْدُورٍ، وَقَالَ أَيْضًا لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ كَوْنَهُمْ شَاكِّينَ فِيهِ، بَلِ الْمَقْصُودُ تَقْرِيرُ أَنَّ ذَلِكَ فِي غَايَةِ الظُّهُورِ كَمَنْ يَأْخُذُ بِيَدِ ضَعِيفٍ وَيَقُولُ: هَلْ يَقْدِرُ السُّلْطَانُ عَلَى إِشْبَاعِ هَذَا، وَيَكُونُ غَرَضُهُ مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ وَاضِحٌ لَا يَجُوزُ لِلْعَاقِلِ أَنْ يَشُكَّ فِيهِ، وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ هَلْ يُنَزِّلُ رَبُّكَ مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ وَيَسْتَطِيعُ صِلَةٌ وَمَنْ قَالَ: الرَّبُّ هَنَا جِبْرِيلُ لِأَنَّهُ كَانَ يُرَبِّي عِيسَى وَيَخُصُّهُ بِأَنْوَاعِ الْإِعَانَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ

وَرُوِيَ أَنَّ الَّذِي نحابهم هَذَا الْمَنْحَى مِنَ الِاقْتِرَاحِ هُوَ أَنَّ عِيسَى قَالَ لَهُمْ مَرَّةً هَلْ لَكُمْ فِي صِيَامِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا لِلَّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>