التَّفْسِيرِ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُنْزِلَتِ الْمَائِدَةُ مِنَ السَّمَاءِ خُبْزًا وَلَحْمًا وَأُمِرُوا أَنْ لَا يَدَّخِرُوا لِغَدٍ وَلَا يَخُونُوا فَخَانُوا وَادَّخَرُوا وَرَفَعُوا لِغَدٍ فَمُسِخُوا قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ رَوَاهُ عَاصِمٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ مَرْفُوعًا وَلَا نَعْلَمُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حديث الحسن بن قرعة حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ حَبِيبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُرْوَةَ نَحْوَهُ
وَلَمْ يَرْفَعْهُ، وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ الحسن بن قرعة وَلَا نَعْلَمُ الْحَدِيثَ مَرْفُوعًا أَصْلًا.
وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ مُنَزِّلُها مُشَدَّدًا. وَقَرَأَ بَاقِي السَّبْعَةِ مُخَفَّفًا وَالْأَعْمَشُ وَطَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ إِنِّي سَأُنْزِلُهَا بِسِينِ الِاسْتِقْبَالِ بَعْدُ أَيْ بَعْدَ إِنْزَالِهَا وَالْعَذَابُ هُنَا بِمَعْنَى التَّعْذِيبِ فَانْتِصَابُهُ انْتِصَابُ الْمَصْدَرِ، وَأَجَازَ أَبُو الْبَقَاءِ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا بِهِ عَلَى السَّعَةِ وَهُوَ إِعْرَابٌ سَائِغٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْعَذَابِ مَا يُعَذِّبُ بِهِ إِذْ يَلْزَمُ أَنْ يَتَعَدَّى إِلَيْهِ الْفِعْلُ بِحَرْفِ الْجَرِّ فَكَانَ يَكُونُ التَّرْكِيبُ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ بِعَذَابٍ لَا يُقَالُ حُذِفَ حَرْفُ الْجَرِّ فَتَعَدَّى الْفِعْلُ إِلَيْهِ فَنَصَبَهُ لِأَنَّ حَذْفَ الْحَرْفِ فِي مِثْلِ هَذَا مُخْتَصٌّ بِالضَّرُورَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي لَا أُعَذِّبُهُ يَعُودُ عَلَى الْعَذَابِ بِمَعْنَى التَّعْذِيبِ وَالْمَعْنَى لَا أُعَذِّبُ مِثْلَ التَّعْذِيبِ أَحَدًا.
وَأَجَازَ أَبُو الْبَقَاءِ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ لَا أُعَذِّبُ بِهِ أَحَدًا وَأَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا بِهِ عَلَى السَّعَةِ وَأَنْ يَكُونَ ضَمِيرَ الْمَصْدَرِ الْمُؤَكَّدِ كَقَوْلِكَ: ظَنَنْتُهُ زَيْدًا مُنْطَلِقًا فَلَا يَعُودُ عَلَى الْعَذَابِ، وَرَابِطُ الْجُمْلَةِ الْوَاقِعَةِ صِفَةً لِعَذَابٍ هُوَ الْعُمُومُ الَّذِي فِي الْمَصْدَرِ الْمُؤَكَّدِ كَقَوْلِكَ هو جنس وعذابا نَكِرَةٌ فَانْتَظَمَهُ الْمَصْدَرُ كَمَا انْتَظَمَ اسْمُ الْجِنْسِ زَيْدًا فِي: زِيدٌ نِعْمَ الرَّجُلُ، وَأَجَازَ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ ضَمِيرَ مِنْ عَلَى حَذْفٍ أَيْ لَا أُعَذِّبُ مِثْلَ عَذَابِ الْكَافِرِ وَهَذِهِ تَقَادِيرُ مُتَكَلَّفَةٌ يَنْبَغِي أَنْ يُنَزَّهَ الْقُرْآنُ عَنْهَا، وَالْعَذَابُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَسَخَهُمْ خَنَازِيرَ. وَقَالَ غَيْرُهُ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ وَوَقَعَ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا، وَالْكُفْرُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ الْمُوجِبُ تَعْذِيبَهُمْ قِيلَ ارْتِدَادُهُمْ، وَقِيلَ شَكُّهُمْ فِي عِيسَى وَتَشْكِيكُهُمُ النَّاسَ، وَقِيلَ مُخَالَفَتُهُمُ الْأَمْرَ بِأَنْ لَا يَخُونُوا وَلَا يُخَبِّئُوا وَلَا يَدَّخِرُوا قَالَهُ قَتَادَةُ، وَقَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ لَمْ يَتِمَّ يَوْمُهُمْ حَتَّى خَانُوا فَادَّخَرُوا وَرَفَعُوا وَظَاهِرُ الْعَالَمِينَ الْعُمُومُ وَقِيلَ عَالَمِي زَمَانِهِمْ.
وَإِذْ قالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ إِذْ زَائِدَةٌ وَقَالَ غَيْرُهُ بِمَعْنَى إِذَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا عَلَى أَصْلِ وَضْعِهَا وَأَنَّ مَا بَعْدَهَا مِنَ الْفِعْلِ الْمَاضِي قَدْ وَقَعَ ولا يؤول بيقول. قَالَ السُّدِّيُّ وَغَيْرُهُ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى حِينَ رَفَعَ عِيسَى إِلَيْهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى مَا قَالَتْ وَادَّعَتْ أَنَّ عِيسَى أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيُّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute