للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ: غُلِّبَ غَيْرُ الْعُقَلَاءِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ كُلَّ الْمَخْلُوقَاتِ مُسَخَّرِينَ فِي قَبْضَةِ قَهْرِهِ وَقَدَرِهِ وَقَضَائِهِ وَقُدْرَتِهِ وَهُمْ فِي ذَلِكَ التَّسْخِيرِ كَالْجَمَادَاتِ الَّتِي لَا قُدْرَةَ لَهَا وَكَالْبَهَائِمِ الَّتِي لَا عَقْلَ لَهَا، فعل الْكُلِّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عِلْمِهِ كَلَا عِلْمٍ وَقُدْرَةُ الْكُلِّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى قُدْرَتِهِ كَلَا قُدْرَةٍ وَقَالَ أَيْضًا: مُفْتَتَحُ السُّورَةِ، كَانَ بِذِكْرِ الْعَهْدِ الْمُنْعَقِدِ بَيْنَ الرُّبُوبِيَّةِ وَالْعُبُودِيَّةِ، فَيُشْرَعُ الْعَبْدُ فِي الْعُبُودِيَّةِ وَيَنْتَهِي إِلَى الْفَنَاءِ الْمَحْضِ عَنْ نَفْسِهِ بِالْكُلِّيَّةِ، فَالْأَوَّلُ هُوَ الشَّرِيعَةُ وَهُوَ الْبِدَايَةُ، وَالْآخَرُ هُوَ الْحَقِيقَةُ وَهُوَ النِّهَايَةُ فَمُفْتَتَحُ السُّورَةِ مِنَ الشَّرِيعَةِ وَمُخْتَتَمُهَا بِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَكِبْرِيَائِهِ تَعَالَى وَعِزَّتِهِ وَقَهْرِهِ وَعُلُّوِهِ، وَذَلِكَ هُوَ الْوُصُولُ إِلَى مَقَامِ الْحَقِيقَةِ فَمَا أَحْسَنَ الْمُنَاسَبَةَ بَيْنَ ذَلِكَ الْمُفْتَتَحِ وَهَذَا الْمُخْتَتَمِ انْتَهَى كَلَامُهُ، وَلَيْسَتِ الْحَقِيقَةُ وَالشَّرِيعَةُ وَالتَّمْيِيزُ بَيْنَهُمَا لَا مِنْ كَلَامِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَلَا مِنْ كَلَامِ التَّابِعِينَ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ أَلْفَاظِ الصُّوفِيَّةِ وَاصْطِلَاحَاتِهِمْ وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ كَلَامٌ طَوِيلٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بالصواب.

<<  <  ج: ص:  >  >>