للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَخِرُوا استهزؤوا إِلَّا أَنَّ اسْتَهْزَأَ تَعَدَّى بالباء وسخر بمن كَمَا قَالَ: إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ «١» وَبِالْبَاءِ تَقُولُ: سَخِرْتُ بِهِ وَتَكَرَّرَ الْفِعْلُ هُنَا لِخِفَّةِ الثُّلَاثِيِّ وَلَمْ يَتَكَرَّرْ فِي وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ فَكَانَ يَكُونُ التَّرْكِيبُ، فَحاقَ بِالَّذِينَ استهزؤوا بِهِمْ لِثِقَلِ اسْتَفْعَلَ، وَالظَّاهِرُ فِي مَا أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الَّذِي وَجَوَّزُوا أَنْ تَكُونَ مَا مَصْدَرِيَّةً، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي مِنْهُمْ عَائِدٌ عَلَى الرُّسُلِ، أَيْ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنَ الرُّسُلِ وَجَوَّزَ الْحَوْفِيُّ وَأَبُو الْبَقَاءِ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا عَلَى غَيْرِ الرُّسُلِ. قَالَ الْحَوْفِيُّ: فِي أُمَمِ الرُّسُلِ. وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: عَلَى الْمُسْتَهْزِئِينَ، وَيَكُونُ مِنْهُمْ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ فِي سَخِرُوا وَمَا قَالَاهُ وَجَوَّزَاهُ لَيْسَ بِجَيِّدٍ، أَمَّا قَوْلُ الْحَوْفِيِّ فَإِنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ عَلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ، وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي الْبَقَاءِ فَهُوَ أَبْعَدُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْمَعْنَى: فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا كَائِنِينَ مِنَ الْمُسْتَهْزِئِينَ فَلَا حَاجَةَ لِهَذِهِ الْحَالِ لِأَنَّهَا مَفْهُومَةٌ مِنْ قَوْلِهِ سَخِرُوا وَقَرَأَ عَاصِمٌ وَأَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ بِكَسْرِ دَالِ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ عَلَى أَصْلِ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ.

وَقَرَأَ بَاقِي السَّبْعَةِ بِالضَّمِّ إِتْبَاعًا وَمُرَاعَاةً لِضَمِّ التَّاءِ إِذِ الْحَاجِزُ بَيْنَهُمَا سَاكِنٌ، وَهُوَ حَاجِزٌ غَيْرُ حَصِينٍ.

قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى مَا حَلَّ بِالْمُكَذِّبِينَ الْمُسْتَهْزِئِينَ وَكَانَ الْمُخَاطَبُونَ بِذَلِكَ أُمَّةً أُمَيَّةً، لَمْ تَدْرُسِ الْكُتُبَ وَلَمْ تُجَالِسِ الْعُلَمَاءَ فَلَهَا أَنْ تُظَافِرَ فِي الْإِخْبَارِ بِهَلَاكِ مَنْ أُهْلِكَ بِذُنُوبِهِمْ أُمِرُوا بِالسَّيْرِ فِي الْأَرْضِ، وَالنَّظَرِ فِيمَا حَلَّ بِالْمُكَذِّبِينَ لِيَعْتَبِرُوا بِذَلِكَ وَتَتَظَافَرَ مَعَ الْإِخْبَارِ الصَّادِقِ الْحِسِّ فَلِلرُّؤْيَةِ مِنْ مَزِيدِ الِاعْتِبَارِ مَا لَا يَكُونُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْعَصْرِيِّينَ:

لَطَائِفُ مَعْنًى فِي الْعِيَانِ وَلَمْ تَكُنْ ... لِتُدْرَكَ إِلَّا بِالتَّزَاوُرِ وَاللُّقَا

وَالظَّاهِرُ أَنَّ السَّيْرَ الْمَأْمُورَ بِهِ، هُوَ الِانْتِقَالُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ وَأَنَّ النَّظَرَ الْمَأْمُورَ بِهِ، هُوَ نَظَرُ الْعَيْنِ وَأَنَّ الْأَرْضَ هِيَ مَا قَرُبَ مِنْ بِلَادِهِمْ مِنْ دِيَارِ الْهَالِكِينَ بِذُنُوبِهِمْ كَأَرْضِ عَادٍ وَمَدْيَنَ وَمَدَائِنَ قَوْمِ لُوطٍ وَثَمُودَ. وَقَالَ قَوْمٌ: السَّيْرُ وَالنَّظَرُ هُنَا لَيْسَا حِسِّيَّيْنِ بَلْ هُمَا جَوَلَانِ الْفِكْرِ وَالْعَقْلِ فِي أَحْوَالِ مَنْ مَضَى مِنَ الْأُمَمِ الَّتِي كَذَّبَتْ رُسُلَهَا، وَلِذَلِكَ قَالَ الْحَسَنُ: سِيرُوا فِي الْأَرْضِ لِقِرَاءَةِ القرآن أي: اقرؤوا الْقُرْآنَ وَانْظُرُوا مَا آلَ إِلَيْهِ أَمْرُ الْمُكَذِّبِينَ، وَاسْتِعَارَةُ السَّيْرِ فِي الْأَرْضِ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِيهِ بُعْدٌ، وَقَالَ قَوْمٌ: الْأَرْضِ هُنَا عَامٌّ، لأن في كل


(١) سورة هود: ١١/ ٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>