للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ وَهَلِ التَّكْذِيبُ رَاجِعٌ إِلَى مَا تَضَمَّنَتْهُ جُمْلَةُ التَّمَنِّي مِنَ الْوَعْدِ بِالْإِيمَانِ أَوْ ذَلِكَ إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عن عادتهم ودينهم وَمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْكَذِبِ فِي مُخَاطَبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُونُ ذَلِكَ مُنْقَطِعًا عَمَّا قَبْلَهُ مِنَ الْكَلَامِ.

وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَقالُوا عَطْفٌ عَلَى لَعادُوا أَيْ لَوْ رُدُّوا لَكَفَرُوا وَلَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا كَمَا كَانُوا يَقُولُونَ قَبْلَ مُعَايَنَةِ الْقِيَامَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطَفَ عَلَى قَوْلِهِ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ عَلَى مَعْنَى وَإِنَّهُمْ لَقَوْمٌ كَاذِبُونَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَهُمُ الذين قالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وَكَفَى بِهِ دَلِيلًا عَلَى كَذِبِهِمُ انْتَهَى.

وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ الَّذِي قَدَّمَهُ مِنْ كَوْنِهِ دَاخِلًا فِي جَوَابِ لَوْ هُوَ قَوْلُ ابْنُ زَيْدٍ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:

وَتَوْقِيفُ اللَّهِ لَهُمْ فِي الْآيَةِ بَعْدَهَا عَلَى الْبَعْثِ وَالْإِشَارَةِ إِلَيْهِ فِي قَوْلِهِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ رَدٌّ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ انْتَهَى. وَلَا يَرُدُّهُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ لِاخْتِلَافِ الْمَوْطِنَيْنِ لِأَنَّ إِقْرَارَهُمْ بِحَقِّيَةِ الْبَعْثِ هُوَ فِي الْآخِرَةِ، وَإِنْكَارَهُمْ ذَلِكَ هُوَ فِي الدُّنْيَا عَلَى تَقْدِيرِ عَوْدِهِمْ وَهُوَ إِنْكَارُ عِنَادٍ فَإِقْرَارُهُمْ بِهِ فِي الْآخِرَةِ لَا يُنَافِي إِنْكَارَهُمْ لَهُ فِي الدُّنْيَا عَلَى تَقْدِيرِ الْعَوْدِ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ «١» وَقَوْلِ أَبِي جَهْلٍ. وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ مَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ بِهِ أَبَدًا هَذَا وَذَلِكَ فِي مَوْطِنٍ وَاحِدٍ وَهِيَ الدُّنْيَا، وَالْقَوْلُ الثَّانِي الَّذِي ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ كَلَامًا مُنْقَطِعًا عَمَّا قَبْلَهُ، وَقَالُوا: إِخْبَارٌ عَنْ مَا صَدَرَ مِنْهُمْ فِي حَالَةِ الدُّنْيَا. قَالَ مُقَاتِلٌ: لَمَّا أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفَّارَ مَكَّةَ بِالْبَعْثِ قَالُوا هَذَا وَمَعْنَى الْآيَةِ إِنْكَارُ الْحَشْرِ وَالْمَعَادِ وَبَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الذي كانوا يخفونه هُوَ الْحَشْرُ، وَالْمَعَادُ عَلَى بَعْضِ أَقْوَالِ الْمُفَسِّرِينَ الْمُتَقَدِّمَةِ وإن هُنَا نَافِيَةٌ وَلَمْ يَكْتَفُوا بِالْإِخْبَارِ عَنِ الْمَحْصُورِ فَيَقُولُوا هِيَ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا حَتَّى أَتَوْا بِالنَّفْيِ وَالْحَصْرِ، أَيْ لَا حَيَاةَ إِلَّا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَقَطْ وَهِيَ ضَمِيرُ الْحَيَاةِ وَفَسَّرَهُ الْخَبَرُ بَعْدَهُ وَالتَّقْدِيرُ وَمَا الْحَيَاةُ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا، هَكَذَا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَتَقَدَّمُ الضَّمِيرُ وَلَا يُنْوَى بِهِ التَّأْخِيرُ إِذَا جُعِلَ الظَّاهِرُ خَبَرًا لِلْمُبْتَدَأِ الْمُضْمَرِ وَعَدَّهُ مَعَ الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ برب نَحْوَ رُبَّهُ رَجُلًا أَكْرَمْتَ والمرفوع بنعم عَلَى مَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ نَحْوَ نعم رجلا زَيْدٌ أَوْ بِأَوَّلِ الْمُتَنَازِعَيْنِ عَلَى مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ نَحْوَ ضَرَبَانِي وَضَرَبْتُ الزَّيْدَيْنِ، أَوْ أُبْدِلَ مِنْهُ الْمُفَسَّرُ عَلَى مَذْهَبِ الْأَخْفَشِ نَحْوَ مَرَرْتُ بِهِ زِيدٍ قَالَ: أَوْ جُعِلَ خَبَرَهُ وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ: إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا التقدير إن


(١) سورة النمل: ٢٧/ ١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>