للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جُمْلَةً مُنْعَقِدَةً مِنْ مُبْتَدَأٍ وَخَبَرٍ، إِنَّمَا هُوَ مُنْعَقِدٌ مِنْ فِعْلٍ وَفَاعِلٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ وَالْأَوَّلِ أَنَّ فِي الْأَوَّلِ الْفِعْلُ مُتَعَدٍّ وَفِي هَذَيْنِ قَاصِرٌ، وَأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ خَبَرٌ وَهُوَ فِي هَذَيْنِ إِنْشَاءٌ وجعل الزَّمَخْشَرِيُّ مِنْ بَابِ بِئْسَ فَقَطْ فَقَالَ: ساءَ مَا يَزِرُونَ بِئْسَ شَيْئًا يَزِرُونَ وِزْرَهُمْ كَقَوْلِهِ:

ساءَ مَثَلًا الْقَوْمُ «١» ، وَذَكَرَ ابْنُ عَطِيَّةَ هَذَا الْوَجْهَ احْتِمَالًا أَخِيرًا وَبَدَأَ بِأَنَّ ساءَ مُتَعَدِّيَةٌ وما فَاعِلٌ كَمَا تَقُولُ سَاءَ فِي هَذَا الْأَمْرِ وَأَنَّ الْكَلَامَ خَبَرٌ مُجَرَّدٌ. قَالَ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:

رَضِيتَ خُطَّةَ خَسْفٍ غَيْرَ طَائِلَةٍ ... فَسَاءَ هَذَا رِضًا يَا قَيْسَ عيلانا

وَلَا يَتَعَيَّنُ مَا قَالَ فِي الْبَيْتِ مِنْ أَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ خَبَرٌ مُجَرَّدٌ بَلْ يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ: فَسَاءَ هَذَا رِضًا الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ وَافْتُتِحَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ بِ أَلا تَنْبِيهًا وَإِشَارَةً لِسُوءِ مُرْتَكَبِهِمْ فَأَلَا تَدُلُّ عَلَى الْإِشَارَةِ بِمَا يَأْتِي بَعْدَهَا كَقَوْلِهِ: أَلَا فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ «٢» أَلَا لَا يَجْهَلَنْ أَحَدٌ عَلَيْنَا.

وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ لَمَّا ذَكَرَ قَوْلَهُمْ وَقَالُوا: إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا ذَكَرَ مَصِيرَهَا وَأَنَّ مُنْتَهَى أَمْرِهَا أَنَّهَا فَانِيَةٌ مُنْقَضِيَةٌ عَنْ قَرِيبٍ، فَصَارَتْ شَبِيهَةً بِاللَّهْوِ وَاللَّعِبِ إِذْ هُمَا لَا يَدُومَانِ وَلَا طَائِلَ لَهُمَا كَمَا أَنَّهَا لَا طَائِلَ لَهَا، فَاللَّهْوُ وَاللَّعِبُ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا غِنَى بِهِ وَلَا مَنْفَعَةَ كَذَلِكَ هِيَ الدُّنْيَا بِخِلَافِ الِاشْتِغَالِ بِأَعْمَالِ الْآخِرَةِ فَإِنَّهَا الَّتِي تُعْقِبُ الْمَنَافِعَ وَالْخَيْرَاتِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: فِي الْكَلَامِ حَذَفٌ التَّقْدِيرُ وَمَا أَهْلُ الْحَيَاةِ إِلَّا أَهْلُ لَعِبٍ وَلَهْوٍ. وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ وَمَا أَعْمَالُ الْحَيَاةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذِهِ حَيَاةُ الْكَافِرِ لِأَنَّهُ يُزْجِيهَا فِي غُرُورٍ وَبَاطِلٍ، وَأَمَّا حَيَاةُ الْمُؤْمِنِ فَتُطْوَى عَلَى أَعْمَالٍ صَالِحَةٍ فَلَا تَكُونُ لَعِبًا وَلَهْوًا

وَفِي الْحَدِيثِ: «مَا أَنَا مِنَ الدَّدِ وَلَا الدَّدُ مِنِّي»

، وَالدَّدُ اللَّعِبُ وَاللَّعِبُ وَاللَّهْوُ قِيلَ: هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَكُرِّرَ تَأْكِيدًا لِذَمِّ الدُّنْيَا. وَقَالَ الرُّمَّانِيُّ: اللَّعِبُ عَمَلٌ يَشْغَلُ عَمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ إِلَى مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ، وَاللَّهْوُ صَرْفُ النَّفْسِ عَنِ الْجِدِّ إِلَى الْهَزْلِ يُقَالُ: لُهِيتُ عَنْهُ أَيْ صَرَفْتُ نَفْسِي عَنْهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ الْمَهْدَوِيُّ، فَقَالَ: هَذَا فِيهِ ضَعْفٌ وَبُعْدٌ لِأَنَّ الَّذِي مَعْنَاهُ الصَّرْفُ لَامُهُ يَاءٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ: لَهَيَانِ وَلَامُ الْأَوَّلِ وَاوٌ انْتَهَى. وَهَذَا التَّضْعِيفُ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ فَعِلَ مِنْ ذَوَاتِ الْوَاوِ تَنْقَلِبُ فِيهِ الْوَاوُ يَاءً كَمَا تَقُولُ: شَقِيَ فُلَانٌ وَهُوَ مِنَ الشِّقْوَةِ فَكَذَلِكَ لَهِيَ، أَصْلُهُ لَهِوَ مِنْ ذَوَاتِ الْوَاوِ فَانْقَلَبَتِ الْوَاوُ يَاءً لِكَسْرَةِ مَا قَبْلَهَا فَقَالُوا: لَهِيَ كَمَا قَالُوا: حَلِيَ بِعَيْنِي وَهُوَ مِنَ الْحَلْوِ وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِقَوْلِهِمْ فِي التَّثْنِيَةِ لَهَيَانِ فَفَاسِدٌ لِأَنَّ التثنية


(١) سورة الأعراف: ٧/ ١٧٧.
(٢) سورة هود: ١١/ ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>