للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ وَقَالَ النَّقَّاشُ: نَزَلَتْ فِي الْحَارِثِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ فَإِنَّهُ كَانَ يُكَذِّبُ فِي الْعَلَانِيَةِ وَيُصَدِّقُ فِي السِّرِّ وَيَقُولُ: نَخَافُ أَنْ تَتَخَطَّفَنَا الْعَرَبُ وَنَحْنُ أَكَلَةُ رَأَسٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ: رُوِيَ أَنَّ الْأَخْنَسَ بْنَ شريف قَالَ لِأَبِي جَهْلٍ. يَا أَبَا الْحَكَمِ أَخْبِرْنِي عَنْ مُحَمَّدٍ أَصَادِقٌ هُوَ أَمْ كَاذِبٌ؟ فَإِنَّهُ لَيْسَ عِنْدَنَا أَحَدٌ غَيْرَنَا فَقَالَ لَهُ: وَاللَّهِ إِنَّ مُحَمَّدًا لَصَادِقٌ وَمَا كَذَبَ قَطُّ، وَلَكِنْ إِذَا ذَهَبَ بَنُو قُصَيٍّ بِاللِّوَاءِ وَالسِّقَايَةِ وَالْحِجَابَةِ وَالنُّبُوَّةِ فَمَاذَا يَكُونُ لِسَائِرِ قُرَيْشٍ فَنَزَلَتْ. قَدْ حَرْفُ تَوَقُّعٍ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى مُسْتَقْبَلِ الزَّمَانِ كَانَ التَّوَقُّعُ مِنَ الْمُتَكَلِّمِ كَقَوْلِكَ: قَدْ يَنْزِلُ الْمَطَرُ فِي شَهْرِ كَذَا وَإِذَا كَانَ مَاضِيًا أَوْ فِعْلَ حَالٍ بِمَعْنَى الْمُضِيِّ فَالتَّوَقُّعُ كَانَ عِنْدَ السَّامِعِ، وَأَمَّا الْمُتَكَلِّمُ فَهُوَ مُوجِبُ مَا أَخْبَرَ بِهِ وَعَبَّرَ هُنَا بِالْمُضَارِعِ إِذِ الْمُرَادُ الِاتِّصَافُ بِالْعِلْمِ وَاسْتِمْرَارُهُ وَلَمْ يُلْحَظْ فِيهِ الزَّمَانُ كَقَوْلِهِمْ: هُوَ يُعْطِي وَيَمْنَعُ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَالتَّبْرِيزِيُّ:

قَدْ نَعْلَمُ بِمَعْنَى رُبَّمَا الَّذِي تَجِيءُ لِزِيَادَةِ الْفِعْلِ وَكَثْرَتِهِ نَحْوَ قَوْلِهِ: وَلَكِنَّهُ قَدْ يُهْلِكُ الْمَالَ نَائِلُهُ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ قَدْ تَأْتِي لِلتَّكْثِيرِ فِي الْفِعْلِ وَالزِّيَادَةِ قَوْلٌ غَيْرُ مَشْهُورٍ لِلنُّحَاةِ وَإِنْ كَانَ قَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:

قَدْ أَتْرُكُ الْقِرْنَ مُصْفَرًّا أَنَامِلُهُ ... كَأَنَّ أَثْوَابَهُ مُجَّتْ بِفِرْصَادِ

وَبِقَوْلِهِ:

أَخِي ثِقَةٍ لَا يُتْلِفُ الْخَمْرُ مَالَهُ ... وَلَكِنَّهُ قَدْ يُهْلِكُ الْمَالَ نَائِلُهُ

وَالَّذِي نَقُولُهُ: إِنَّ التَّكْثِيرَ لَمْ يُفْهَمْ مِنْ قَدْ وَإِنَّمَا يُفْهَمُ مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْفَخْرُ وَالْمَدْحُ بِقَتْلِ قَرْنٍ وَاحِدٍ وَلَا بِالْكَرَمِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَإِنَّمَا يَحْصُلَانِ بِكَثْرَةِ وُقُوعِ ذَلِكَ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ قَدْ تَكُونُ لِلتَّكْثِيرِ فِي الْفِعْلِ وَزِيَادَتِهِ لَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ، فِي قَوْلِهِ: قَدْ نَعْلَمُ لِأَنَّ عِلْمَهُ تَعَالَى لَا يُمْكِنُ فِيهِ الزِّيَادَةُ وَالتَّكْثِيرُ، وَقَوْلُهُ: بِمَعْنَى رُبَّمَا الَّتِي تَجِيءُ لِزِيَادَةِ الْفِعْلِ وَكَثْرَتِهِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ رُبَّ لِلتَّقْلِيلِ لَا لِلتَّكْثِيرِ وَمَا الدَّاخِلَةُ عَلَيْهَا هِيَ مُهَيِّئَةٌ لِأَنْ يليها الفعل وما الْمُهَيِّئَةُ لَا تُزِيلُ الْكَلِمَةَ عَنْ مَدْلُولِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّهَا فِي كَأَنَّمَا يَقُومُ زَيْدٌ وَلَعَلَّمَا يَخْرُجُ

<<  <  ج: ص:  >  >>