للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ لِمَوَاعِيدِ اللَّهِ وَلَمْ يَذْكُرِ الزَّمَخْشَرِيُّ غَيْرَهُ قَالَ: لِمَوَاعِيدِهِ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ «١» .

وَقَالَ الزَّجَّاجُ لِمَا أَخْبَرَ بِهِ وَمَا أَمَرَ بِهِ وَالْإِخْبَارُ وَالْأَوَامِرُ مِنْ كَلِمَاتِ اللَّهِ، وَاقْتَصَرَ ابْنُ عَطِيَّةَ عَلَى بَعْضِ مَا قَالَ الزَّجَّاجُ فَقَالَ: وَلَا رَادَّ لِأَوَامِرِهِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى لِحُكُومَاتِهِ وَأَقْضِيَتِهِ، كَقَوْلِهِ وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ «٢» أَيْ وَجَبَ مَا قَضَاهُ عَلَيْهِمْ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى تَبْدِيلِ كَلِمَاتِ اللَّهِ وَإِنْ زَخْرَفَ وَاجْتَهَدَ، لِأَنَّهُ تَعَالَى صَانَهُ بِرَصِينِ اللَّفْظِ وَقَوِيمِ الْمَعْنَى أَنْ يُخْلَطَ بِكَلَامِ أَهْلِ الزَّيْغِ. وَقِيلَ: اللَّفْظُ خَبَرٌ وَالْمَعْنَى عَلَى النَّهْيِ أَيْ لَا يُبَدِّلُ أَحَدٌ كَلِمَاتِ اللَّهِ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ لَا رَيْبَ فِيهِ «٣» أَيْ لَا يَرْتَابُونَ فِيهِ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ.

وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ هَذَا فِيهِ تَأْكِيدُ تَثْبِيتٍ لِمَا تَقَدَّمَ الْإِخْبَارُ بِهِ مِنْ تَكْذِيبِ أَتْبَاعِ الرُّسُلِ لِلرُّسُلِ وَإِيذَائِهِمْ وَصَبْرِهِمْ إِلَى أَنْ جَاءَ النَّصْرُ لَهُمْ عليهم والفاعل بجاء.

قَالَ الْفَارِسِيُّ: هُوَ مِنْ نَبَأِ وَمِنْ زَائِدَةٌ أَيْ وَلَقَدْ جَاءَكَ نَبَأُ الْمُرْسَلِينَ، وَيَضْعُفُ هَذَا لِزِيَادَةِ مَنْ فِي الْوَاجِبِ. وَقِيلَ: مَعْرِفَةٌ وَهَذَا لَا يَجُوزُ إِلَّا عَلَى مَذْهَبِ الْأَخْفَشِ، وَلِأَنَّ الْمَعْنَى لَيْسَ عَلَى الْعُمُومِ بَلْ إِنَّمَا جَاءَ بَعْضُ نبأهم لا أنباؤهم، لِقَوْلِهِ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ «٤» . وَقَالَ الرُّمَّانِيُّ: فَاعِلُ جَاءَكَ مُضْمَرٌ تَقْدِيرُهُ: وَلَقَدْ جَاءَكَ نَبَأٌ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الصَّوَابُ عِنْدِي أَنْ يُقَدَّرَ جَلَاءً أَوْ بيان، وَتَمَامُ هَذَا الْقَوْلِ وَالَّذِي قَبْلَهُ أَنَّ التَّقْدِيرَ: وَلَقَدْ جَاءَ هُوَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ أَيْ نَبَأٌ أَوْ بَيَانٌ، فَيَكُونُ الْفَاعِلُ مُضْمَرًا يُفَسَّرُ بِنَبَأٍ أَوْ بَيَانٍ لَا مَحْذُوفًا لِأَنَّ الْفَاعِلَ لَا يُحْذَفُ وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الفاعل مضمر تَقْدِيرُهُ هُوَ، وَيَدُلُّ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْمَعْنَى مِنَ الْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ أَيْ وَلَقَدْ جَاءَكَ هَذَا الْخَبَرُ مِنْ تَكْذِيبِ أَتْبَاعِ الرُّسُلِ لِلرُّسُلِ وَالصَّبْرِ وَالْإِيذَاءِ إِلَى أَنْ نُصِرُوا، وَأَنَّ هَذَا الْإِخْبَارَ هُوَ بَعْضُ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ الَّذِينَ يُتَأَسَّى بِهِمْ ومِنْ نَبَإِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَذُو الْحَالِ ذَلِكَ الْمُضْمَرُ وَالْعَامِلُ فِيهَا وَفِيهِ جاءَكَ فَلَا يَكُونُ الْمَعْنَى عَلَى هَذَا وَلَقَدْ جَاءَكَ نَبَأٌ أَوْ بَيَانٌ إِلَّا أَنْ يُرَادَ بِالنَّبَأِ وَالْبَيَانِ هَذَا النَّبَأُ السَّابِقُ أَوِ الْبَيَانُ السَّابِقُ، وَأَمَّا الزَّمَخْشَرِيُّ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِفَاعِلِ جَاءَ بَلْ قال: لَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ بَعْضُ أَنْبَائِهِمْ وَقَصَصِهِمْ، وَهُوَ تَفْسِيرُ مَعْنًى لَا تفسير إِعْرَابٍ لِأَنَّ مِنْ لَا تَكُونُ فَاعِلَةً.

وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ


(١) سورة الصافات: ٣٧/ ١٧١، ١٧٢.
(٢) سورة الزمر: ٣٩/ ٧١.
(٣) سورة البقرة: ٢/ ٢.
(٤) سورة غافر: ٤٠/ ٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>